تحققها بتحقّق منشأ انتزاعها مثل الموالاة والترتيب ، وعلى هذا فيعلم من الروايات حكم الشكّ في الصحّة أيضا بملاحظة أنّ منشائه إمّا الشكّ في الجزء أو الشكّ في القيد والكيفيّة.
والمحصّل أنّ قاعدة الفراغ يمكن استنباطها من هذه الأخبار إمّا بأن الشكّ يشمل الشكّ في الوجود والشكّ في الصحّة ، وإمّا بأنّ الشكّ في الشيء يشمل الشكّ في الجزء والكيفيّة ، وإمّا بإرجاع الشكّ في الصحّة إلى الشكّ في الوجود أعني وجود المقيّد الذي يحمل عليه عنوان الصحيح ، لا نفس هذا العنوان حتى يقال : إنّه أمر انتزاعي.
وتظهر الثمرة بين الوجوه الثلاثة في أنّه على الأوّلين لا يحتاج في التجاوز عن محلّ المشكوك إلى الدخول في الغير ، وعلى الأخير يحتاج إليه كما هو واضح ، ولو صحّ أحد الأوّلين أغني عن الأخير ؛ لأنّ الشكّ فيه مسبّب ، كما أنّه لو صحّ الثاني أغني عن الأوّل بهذا السبب.
الموضع الثالث : في أنّ المحلّ الذي يعتبر التجاوز عنه هل هو المحلّ الشرعي أو العادي، فاعلم أنّه يمكن أن يقال : إنّه المحلّ العاديّ ، والعادة على قسمين : نوعيّة وشخصيّة ، فالاولى كما في الموالاة بين أعضاء الغسل ، فلو شكّ في غسل الجانب الأيسر بعد تخلّل الفصل المخلّ بالموالاة المعتادة يصدق أنّه شك بعد تجاوز المحلّ وكما في الموالاة بين الظهرين ، وكما في الموالاة بين التخلّي والتطهير ، والثانية ، كما في من اعتاد بإتيان الصلاة في أوّل الوقت أو مع الجماعة ، فشكّ في إتيانها بعد انقضاء أوّل الوقت أو الجماعة ، فالمعتبر هو العادة النوعيّة دون الشخصيّة.
ووجه الفرق أنّه يصحّ في الاولى انتساب المحلّ إلى الشيء المشكوك على وجه الإطلاق فيقال : إنّ محلّ غسل الأيسر متّصل بغسل الأيمن ، ومحلّ العصر متّصل بالظهر ، ومحلّ التطهير متّصل بالتخلية ، ولا يحتاج إلى التقييد بقولنا عند النوع ، إذ الخطاب موجّه إلى النوع ، كما لا يحتاج في قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)