الامر الحادي عشر :
اعلم أنّه صرّح شيخنا المرتضى قدسسره في غير واحد من كلماته بأنّ وجه تقديم الأمارات على الاستصحاب هو الحكومة (١) ، وضابطها على ما قرّره قدسسره في مبحث التراجيح أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي ناظرا إلى مدلول دليل آخر بما هو مدلول الدليل ، وكان بمنزلة «اعني» وبحيث لو لم يكن الدليل المحكوم كان لغوا ، كما يكون كلمة «اعني» لغوا لو لم يكن مسبوقا بلفظ كان هو تفسيرا له ، ولا يخفي وجه التقديم في كلّ دليلين كانا كذلك، ولكنّ الشأن في ثبوت هذا في موارد نحكم بالحكومة ، كأدلّة نفي الضرر والعسر والحرج بالنسبة إلى أدلّة الأحكام ، وكأدلّة الامارات بالنسبة إلى أدلّة الشكوك ، وكقوله : لا شكّ لكثير الشكّ بالنسبة إلى أدلّة الشكوك في الصلاة.
ولا يخفي عدم تماميّته فيها ، ووجه ذلك أنّه لا لغويّة في قوله : لا ضرر مثلا لو لم يكن في البين أدلّة الأحكام ، سواء فسّرناه بنفي الحكم الضرري ، أم بنفي الموضوع الضرري، أمّا على الاوّل فواضح ، وأمّا على الثاني كما في قوله : «لا شكّ لكثير الشكّ» فلأنّ نفي الموضوع وإن كان لا بدّ وأن يكون بلحاظ نفي الحكم ، ولكن لا يلزم أن يكون بلحاظ الحكم المدلول للفظ ، بل ولا لقاعدة بما هو مدلول لهما ، بل يكفي أن يكون بلحاظ نفي الحكم واقعا ، كما هو الحال في قوله عليهالسلام : «رفع ما لا يعلمون».
وهنا طريق آخر يمكن إرجاع كلام الشيخ إليه ، وهو أن يقال : قد تعلّق الحكم على موضوع واقعي كقوله : أكرم العلماء ، فإنّه إنشاء وجوب الإكرام في موضوع
__________________
(١) راجع ص ٦٤٣ و ٧١٠