لأنّا نقول : إنّا لا نتعقّل الحكومة في اللبيّات ، كما لا نتعقّل التخصيص ؛ فإنّ بناء العقلاء إن كان على رفع اليد عن حكم الشكّ بالأعمّ من العلم والعلمي فهذا معنى ورود كلّ من العلم والعملي على الأصل ، وإن لم يكن بنائهم إلّا على العمل بالأصل ما لم يعلم خلافه فهذا معنى إلغاء العلمي في قبال الأصل ، وليس بين الأمرين واسطة ، فلا معنى للحكومة ، نعم للورود معنى محصّل في كلّ من الأصل والأمارة ، بمعنى أن يكون عقد موضوع الحجيّة فيهما بحسب الشأن والاقتضاء مقيّدا بعدم وجود القرينة المعتبرة على الخلاف ، ولكنّه خلاف الواقع الذي نجده من أنفسنا ، فإنّا وإن كنّا لا نجد من أنفسنا موردا يقدّم فيه الخاص على العام إذا كان الخاص قطعيّ الدلالة ، ولكنّا لا نجد من أنفسنا أنّ هذا من باب قصور العام في الحجيّة الذاتيّة ، بل من جهة تقديم ما هو الأقوى.
فتحصّل أنّ هنا طريقين لإخراج العامّ والخاص عن المتعارضين ، أحدهما : تقدّم السند رتبة على الدلالة ، ضرورة أنّ التعبّد بالظاهر إنّما يكون بعد الفراغ عن نسبة أصل اللفظ إلى المتكلّم ، المحلّ لابتلاء الإنسان من المولى ونحوه ؛ إذ لا معنى للتعبّد بظاهر كلام غير صادر من متكلّم أو متكلّم غير محلّ ابتلاء الإنسان ، وحينئذ نقول في رتبة التعبّد باسناد اللفظين لا معارضة ؛ لعدم التعبّد بالظاهر في هذه الرتبة.
إن قلت : فكيف يصحّ التعبّد بالسند مع عدمه بالظاهر؟
قلت : يكفي في صحّته ملاحظة ترتّبه كالعلّة الغائيّة ، وبعد التعبّد بالسند يحصل التعارض بين التعبّد بظاهر العام ونصّ الخاص ، ولا معارضة بين التعبّد والقطع ، وقد عرفت الإشكال في هذا الطريق.
ثانيهما : إنّا نقول بعرضيّة سند الخاص ودلالة العام ، وإنّما المسلّم طوليّة سند كلّ على دلالته ، لكن نقول : الأخذ بالسند لا محذور فيه ؛ فإنّ التعبّد بظاهر العامّ إذا انتقض بواسطة لفظ ناصّ الدلالة بالدلالة المطابقيّة أو الالتزاميّة بالمعنى الأخصّ فهو غير خارج عن الطريقة المرسومة المألوفة عند أبناء المحاورة ، والحاصل : الأخذ بالسند موجب لوجود لفظ في قبال العموم ، وهذا غير محذور.