فلو فرض أنّ العبد بعد علمه بأمر المولى علم أنّ أمره هذا ليس على حدّ الشدّة والتأكّد ، وإنّما هو واقف على أدنى مرتبة الوجوب ، وأنّ العقاب عليه من أقلّ أفراد العقاب، وكان الواقع خلاف ما علمه بأن كان بالغا أعلى مرتبة التأكّد وعقابه أشدّ أفراد النكال والعذاب فعاقبة المولى بتلك المرتبة الشديدة ، ما كان ملوما وفاعلا للعقاب إلّا بعد إتمام الحجّة.
وحينئذ فلو كان هذه المنجزيّة للأمر ثابتة في حال الابتلاء لزم مع العلم بالمساواة ووجود الأهميّة واقعا صحّة عقوبة المرتبة الشديدة لو اختار في العمل غيرها ، مع أنّا نقطع بخلاف ذلك ، وليس إلّا لأنّ تلك المنجزيّة منوطة بمحفوظيّة محرّكية الأمر نحو متعلّقة على التعيين ، وأمّا عند سقوطه عن ذلك بواسطة معارضة المزاحم فيسقط عن تلك المنجزيّة ، فيكون المنجّز في حال العلم بالأهميّة هو العلم بالغرض الخالي عن اقتضاء الأمر ، فيئول الأمر لا محالة عند احتمال الأهميّة إلى البراءة كما عرفت.
هذا تمام الكلام في تأسيس الأصل على كلا المذاقين من الطريقيّة والسببيّة ، وحيث إنّ المختار هو الأوّل ، فالأصل هو التعيين.
وأمّا الأدلّة التي أقاموها على الترجيح فامور نذكر بعضها :
منها : الإجماع بأقسامه من القولي والعملي المحقّق والمنقول.
وفيه أنّ الإجماع في مثل هذه المسألة التي يكون للعقل والنقل فيه سبيل ، ويحتمل استناد المجمعين إلى تلك الوجوه العقليّة أو النقليّة ، فهو ليس بدليل آخر في المسألة وراء تلك الوجوه ، بل لا بدّ من النظر في تلك الوجوه ، فإن لم نرها تامّة فلا محذور في المصير إلى الخلاف ؛ لسقوط هذا الإجماع عن الكشف ، هذا على تقدير تسليم محصليّة الإجماع القولي، فكيف الحال لو كان منقولا أو عمليّا ؛ فانّ الترجيح العملي لا يلازم الترجيح القولي.
ومنها : أنّ العدول من الراجح إلى المرجوح قبيح عقلا ، بل ممتنع قطعا ، فيجب العمل بالراجح لئلّا يلزم ترجيح المرجوح على الراجح.