هو أنّ هذه الذات في قبال الخنزير مثلا حلال ، وهكذا مفاد «الماء حلال» أنّه في قبال الخمر حلال ذاتا ، وهذا المعنى لا ينافي مع حكم العنوان الثانوي بل يجتمعان ، فالغنم المغصوب حلال ذاتا وحرام عرضا ، ولهذا يتفاوت حرمته مع حرمة الخنزير فليس دليل العنوان الثانوي تقييدا وتخصيصا في الدليل الأوّلي ، وأيضا لو لم يكن دليل العنوان الثانوي وكنّا نشكّ في الحكم عند طروّ بعض الحالات لما أمكن التمسّك بالدليل الأوّلي.
وشيء من هذين غير موجود في المقام ، فإنّ القاعدة مخصّصة لبّا للأدلّة وإن كان لا تخصيص في الصورة وكان إطلاق تلك الأدلّة هو المرجع عند الشكّ لو لا القاعدة.
ثمّ لا فرق في الحكومة بالمعنى الذي ذكرنا من كون مفاد أحد الدليلين تحديد الحكم الواقعي لا مدلول الدليل بين أن يكون ذلك بلسان نفي الموضوع أو إثباته ، وبين أن يكون مدلولا ابتدائيا ، فالثاني كما قلنا في لا ضرر ، والأوّل كما في «لا شكّ لكثير الشكّ» ودليل البناء على الأربع مثلا عند الشكّ بينه وبين الثلاث ؛ لوضوح أنّ التقريب المتقدّم جار فيهما بلا فرق.
ثمّ إنّ شيخنا المرتضى قدسسره جعل لقاعدة لا ضرر حكومة على قاعدة «الناس مسلّطون» حيث ذكر في ما إذا كان تصرّف المالك في ملكه موجبا لتضرّر جاره ، وتركه موجبا لتضرّر نفسه أنّه بعد تعارضها نرجع إلى عموم «الناس مسلّطون على أموالهم».
وأنت خبير بأنّه مبنيّ على عموم القاعدة بالنسبة إلى جميع الحالات ، إذ لو كانت حكما حيثيتيّا متعرّضا لعدم حجر المالك من حيث كونه متصرّفا في ماله من غير نظر إلى الحالات لما كان معنى للحكومة كما عرفت سابقا ؛ لأنّها تخصيص في اللبّ ، ولا تخصيص في الحكم الحيثي ؛ لأنّه مجتمع مع الفعلي المخالف له ، والظاهر هو الثاني ، وذلك لأنّه هل يرضى أحد بأنّ مقتضى الناس مسلّطون جواز ضرب المالك المقمعة على رأس الغير بمحض أنّه تصرّف وتسلّط على ماله ، ثمّ خصّص بدليل تحريم الإضرار بالغير؟