قلت : ما هو متعلّق للحاظ الواحد أيضا واحد وليس بكثرات ، وتوضيح ذلك أنّ الحالات والصفات التي تتولّد وتنشأ للملحوظ بتوسّط اللحاظ ، مثل آليّة الابتداء مثلا واستقلاليّته ، وتجريد الإنسان مثلا عن الخصوصيّات إذا قطع النظر عن اللحاظ ولم يلاحظ على وجه الاستقلال ، فتلك الحالات كيفيّات ثابتة للملحوظ في ظرف التقرّر ، أعني ظرف التجريد عن الذهن والخارج.
فنقول في مقامنا : العشرة المتكثّرة الوجود في الخارج إذا لوحظت بلحاظ واحد فقد وجدت في الذهن بوجود واحد ، ولا ينسلب عنه هذه الوحدة بواسطة عدم رؤيتنا الوجود الذهني استقلالا ، بل تبعا ومرآتا ، فعدم الروية الاستقلاليّة لا ينافي مع الثبوت الواقعي ، فالملحوظ واقعا ذو عشرة أجزاء ولو لم يمكننا في هذا اللحاظ الحكم بالكليّة والجزئيّة ، ولهذا لا يقبل إلّا إشارة واحدة ، كما أنّ وصف التجريد حالة ثابتة للإنسان حتّى مع تجريده عن اللحاظ ، مع أنّه ليس إلّا من قبله ، ولهذا يقبل الحكم بالكليّة دون الجزئيّة.
ومن الأحكام الوضعيّة الصحّة والفساد ، بمعنى موافقة المأتيّ به للمأمور به ومخالفته له ، وهذا المعنى كنفس المأمور بهيّة من الامور المنتزعة عن التكليف ، ولو جعلناهما بمعنى التمام والنقص فحالهما حال الجزئيّة والشرطيّة في عدم الانتزاع عن التكليف.
ومنها : الحجيّة ، والمراد بها كون الشيء بحيث يعذّر العبد بسببه تارة ، ويعذّر المولى اخرى ، وهذا المعنى لا يمكن أن يكون له واقع مع قطع النظر عن العلم ، لا بمعنى أنّ العلم بهذا المعنى مقوّم لأصل المعنى ، كيف وهو الدور المحال ، بل بمعنى أنّ العلم بالتكليف هو المعذّر والمنجّز ، ولا يمكن حصول العذر والتنجيز مع الجهل بالتكليف وجعل الحجيّة رأسا ، ولو كانت الحجيّة بالمعنى المذكور قابلة للجعل يلزم وقوع الإنسان ـ مع عدم اطّلاعه بالواقع ولا جعل خبر الواحد مثلا حجّة ـ في محذور استحقاق العقوبة ، أو في استراحة المعذوريّة.
فإن قيل بتخصيص الحجيّة بظرف العلم بالجعل فإن اريد أنّ العلم كان مقوّما لها