في الشبهات الحكميّة اصلا بناء على تبعيّة الأحكام الشرعيّة للأحكام العقليّة ، ذلك لأنّ الموضوع في القضيّة العقليّة هو العلّة التامّة للمحمول ، ولا يعقل انتفاء المحمول مع بقاء الموضوع ، ولهذا لا تخصيص في الأحكام العقليّة ، فكلّ موارد عدم المحمول راجع إلى التخصّص ، لأنّ جميع ما له دخل في الحكم حتى عدم المانع مأخوذ في موضوع حكمه ، فكلّما انتفى عنه الحكم فلا محالة خارج عن دائرة الموضوع ، فلا يمكن الشكّ مع حفظ الموضوع ، بل لا بدّ من الشك في بقائه.
نعم لو قلنا بالمصلحة في نفس الحكم كما هو الحقّ أمكن الشكّ مع حفظ الموضوع لاحتمال مفسدة في نفس الحكم ، ولكنّه نادر ، وبالجملة ، على هذا يختصّ الاستصحاب بالشبهات الموضوعيّة دون الحكميّة ، كما هو مذهب أصحابنا الأخباريّين ، ولا يمكن عدّ هذا دليلا على بطلان هذا الوجه كما هو واضح ، بل الوجه ما سيأتي إن شاء الله تعالى في بطلان الوجه الثانى.
وعلى الثانى يختصّ بما إذا كان في البين دليل لفظيّ وكان الموضوع المعتبر فيه باقيا ، فلا يجري في ما كان الدليل لبيّا ، ولا إذا كان لفظيّا ، ولكن لم يبق الموضوع الدليلي ، فيفرق إذن بين ما إذا كان مفاد الدليل اللفظي نحو قولنا : الماء نجس إذا تغيّر ، فيحكم بالبقاء بعد زوال التغيّر ، وبين ما كان نحو قولنا : الماء المتغيّر نجس ، فلا يحكم ، وكذا بين قولنا : ثمرة الكرم إذا كان عنبا لو غلى ينجس ، فيحكم بالبقاء عند الجفاف ، وبين قولنا : العنب لو غلى ينجس ، فلا يحكم ، وبالجملة ، لا بدّ من اتّباع دليل المستصحب في كلّ باب ، واللازم سدّ باب الاستصحاب كثيرا.
وعلى الثالث يجري ولو كان مفاد الدليل نحو قولنا : الماء المتغيّر نجس ، وقولنا : العنب لو غلى ينجس ؛ إذ بعد زوال التغيّر والعنبيّة يرى العرف مشارا إليه محفوظا ، فيقول : هذا كان متغيّرا أو عنبا ، فيصدق في نظره بقاء النجاسة في هذا وارتفاعها عن هذا ، وأمّا وجه عدم جرمه من نفس الدليل فلأجل احتمال اشتراط النجاسة ببقاء التغيّر العنبيّة.
ثمّ الحقّ تعيّن الوجه الأخير ، والدليل عليه أنّ الخطابات المعلّقة على العناوين