نعم هنا إشكال آخر وهو كون المورد شبهة مصداقيّة لنقض اليقين بالشكّ أو لنقض اليقين باليقين كما هو مبيّن في محلّ آخر ، فلا مجرى للأصلين في الجانبين أصلا ، لا أنّهما يجريان ويتعارضان.
نعم هذا حال الأصلين الجاريين في مجموع القضيّتين ، لكونهما معدومتين في الأزل ، أعني قضيّة الملاقاة كانت في زمن عدم الكريّة ، وبارتفاعها يرفع أثر النجاسة ، وقضيّة الكريّة كانت في زمن عدم الملاقاة وبارتفاعها يرفع أثر الطهارة ، فيتعارضان ، هذا هو الحال في الحادثين الذين ليس أحدهما ناقضا للآخر كما مرّ من المثال.
بقي الكلام في الناقضين كالحدث والطهارة إذا علم بحدوث كليهما ولم يعلم المتقدّم منهما ، فنشكّ لأجله في الحال الفعليّة ، فقد يتوهّم أنّ الاستصحاب في كلّ من الحدث والطهارة جار في حدّ ذاته ، غاية الأمر أنّهما يتعارضان.
وليعلم أنّ محلّ الكلام ما إذا لم يعلم الحالة السابقة مع معلوميّة تحقّقهما بوصف الناقضيّة ، فإنّه حينئذ لا يبقي شكّ في الحال الفعليّة ؛ إذ على تقدير كون الحالة السابقة هي الطهارة يعلم أنّه طاهر ، وعلى تقدير كونها الحدث يعلم أنّه محدث ، كما هو واضح.
فمحلّ الكلام ما إذا لم تكن حالة سابقة معلومة ، أو كانت ولم يعلم وصف ناقضيّة السابق منهما ، بأن احتمل أنّه كان الوضوء على الوضوء ، أو الحدث على الحدث. وحينئذ نقول : الحقّ عدم الجريان الذاتي لوجوه ثلاثة وإن كان الظاهر رجوعها إلى الواحد.
أحدها : أنّ المعتبر في الاستصحاب أن يكون في البين شكّ بمقدار عمر زائد على مقدار عمر متيقّن للمستصحب ، وهاهنا ليس الأمر هكذا ؛ إذ كلّ من الحدث والطهارة معلوم محدود عمره لا يزيد ولا ينقص ، فإنّا نعلم أنّ طول مدّة السابق منهما مثلا خمس ساعات ، واللاحق أربع ، فعلى تقدير اللحوق لا نحتمل الزيادة ، وعلى تقدير السبق أيضا لا نحتمل الإضافة على عمر كلّ منهما على المقدار الذي نعلمه.