ثانيها : أنّ المعتبر في الاستصحاب أن يكون الشكّ في ارتفاع المستصحب وبقائه في زمان واحد ، وهو هنا منتف ؛ إذ كلّ من الحدث والطهارة لا نحتمل ارتفاعه حالا ، كما لا نحتمل بقائه في رأس الساعة السادسة في المثال ، بل نحتمل بقائه هنا وارتفاعه هناك ، وفي سائر المواضع هذا المعنى متحقّق ولو دفعة ، كما في الحيوان المردّد بين البقّ والفيل ، فإنّه في آخر الزمان الذي هو آخر عمر البقّ نحتمل البقاء والارتفاع ، فنجري الاستصحاب ، وهو بوحدته كاف لجميع الأزمنة المتأخّرة ، ولا يحتاج إلى إجراء مستقلّ بالنسبة إلى كلّ جزء جزء من الزمان.
ثالثها : إنّه لا بدّ في الاستصحاب أنّا إذا رجعنا قهقرى وردنا من حالة شكّنا إلى حالة اليقين بالوجود في استصحاب الوجود ، وإلى حالة اليقين بالعدم في استصحاب العدم، ولو كان يقينا تقديريّا مردّدا بين زمانين ، كما في استصحاب الحدث في ما إذا علم بتحقّقه إمّا في الساعة الاولى وإمّا في الثانية ، ولكن شكّ على كلّ تقدير في بقائه إلى الثالثة ، بل يحتمل زواله عقيب حدوثه بسرعة ، فإنّا حينئذ وإن كنّا لا نصل إلى زمان اليقين بالوجود التفصيلي ، ولكن نصل إلى الإجمالي.
وهذا المعني في المقام مفقود ، فإنّا وإن كنّا شاكّين في الحدث وعدمه ، ولكن لا يصل هذا الشكّ بطريق القهقرى إلى زمان يقين ولو مردّد بين زمانين ؛ إذ على تقدير لحوق الحدث لا نشكّ في بقائه ، وعلى تقدير تقدّمه لا نشكّ في ارتفاعه.
نعم هذا المعنى الذي ذكرنا في مثال الحدث المتقدّم متحقّق في ما نحن فيه بالنسبة إلى جامع الحدث والطهارة لو كان بينهما جامع ، ولكن لا جامع بينهما ، وأمّا بالنسبة إلى شخص كلّ منهما فلا يتحقّق فيهما شكّ ويقين متّصل ذلك الشكّ بذلك اليقين ؛ إذ مع تقدير اليقين في الزمان اللاحق لا يبقي شكّ ، ومع الغضّ عن هذا التقدير يتحقّق الشكّ ، ولكن لا يتّصل باليقين أبدا ، بل جميع الأزمنة مستوعب بحال الشكّ والتردّد ؛ لأنّ المعتبر حال إجراء الاستصحاب ، لا ما تقدّمه من الأزمنة ، وفي هذا الحال إذا نظرنا إلى الأزمنة السابقة فكلّها يكون حالنا فيه مردّدا بين الحدث والطهارة كهذا الحال.