الاصولي هو أنّ العقاب على مخالفة التكليف بدون بيان للتكليف قبيح (١) ، فالكلام في هذا المقام إنّما هو في أنّه مع احتمال التكليف الثابت في هذه الشبهة هل يكون في البين بيان للتكليف الواقعي على تقدير ثبوته ، فلا يكون العقاب على مخالفته بلا بيان ، أو لا يكون حتى يكون العقاب بلا بيان؟ ، فالمهمّ بيان هذا المطلب.
فاعلم أنّ ما توهّم أو يمكن أن يتوهّم في تصوير البيان امور.
الأوّل : أنّ دفع الضرر المحتمل واجب بحكم العقل ، فإذا احتمل التكليف كان الحجّة عليه موجودا ، وهو الاحتمال بضميمة هذا الحكم العقلي.
والجواب أنّ الضرر على ضربين ، الأوّل : ما يكون تابعا للتكليف ، والتكليف متبوعا ومنشأ له وهو العقاب ، والآخر ما يكون التكليف تابعا له وهو متبوع ومنشأ للتكليف وهو المفسدة والمصلحة المترتبتان على ذات الشيء كسكر الخمر وبرودة الماء ونحوها ، والأوّل يدور مدار علم المكلّف ومخالفته وعصيانه ، والثاني لا مدخل للعلم والجهل فيه ، بل هو مترتّب مطلقا كخواص جميع الأشياء.
وإذن فالضرر الذي يحكم بوجوب دفعه في هذا المقام إن كان المراد به هو الذي يكون فرع العلم بالتكليف في حصول المخالفة والعصيان ويكون معلولا للتكليف أعني العقاب ، فلا يمكن كون هذه القاعدة بيانا إلّا على وجه يستلزم الدور ؛ فإنّ هذه القاعدة بل كلّ قاعدة لا يمكن أن يكون حكمها محدثا وسببا وعلّة لموضوعها ، وإلّا لدار ، فحكم وجوب دفع الضرر المحتمل فرع وجود احتمال الضرر الذي هو الموضوع ، ووجوده فرع وجود سببه وهو البيان ، ووجود هذا السبب قد فرض أنّه فرع ثبوت الحكم بالوجوب ، وهذا معنى الدور.
__________________
(١) فإنّ من المركوز في ذهن كلّ أحد السؤال عن علّة الضرب والإيلام الوارد من الغير عليه وأنّه لأيّ جهة ، ولو لم يكن قبيحا من دون جهة لما كان للسؤال عن الوجه وجه. منه قدسسره الشريف.