الإناء المعيّن يرفع عطشه ، فترك إعطائه هذا المعيّن ، فعل قبيحا ، كذلك لو علم عطشه ، وعلم أنّ هذا الإناء أو ذاك الإناء يرفع عطشه ، فترك إعطاء الجميع وترك المولى على حالة العطش كان كالأوّل بلا فرق.
ثمّ إذا ثبت حكم العقل بقبح المخالفة يثبت وجوب الموافقة القطعيّة أيضا ، ولا يعقل التفكيك بينهما ؛ إذ لا يخلو الحال من قسمين ، إمّا أن يكون هذا العلم الذي تعلّق بالإلزام حجّة على هذا الإلزام ، وإمّا لا يكون حجّة ، فإن كان حجّة فكما يحرم المخالفة القطعيّة بسببه ، يجب الموافقة القطعيّة أيضا بسببه ، وإن لم يكن حجّة فلا يثبت شيء من الأمرين ، فإنّ التفكيك في الحجيّة لا يتصوّر عقلا فيصير الحاصل أنّ الواقع المعلوم قد قام عليه الحجّة ، فيحرم مخالفته القطعيّة ويجب موافقته القطعيّة ، وهي موقوفة على الاحتياط بإتيان جميع الأطراف ، فيكون مقتضى القاعدة الأوّليّة العقليّة وجوب الاحتياط وعدم البراءة ، من غير فرق بين صورة العلم بنوع التكليف والشكّ فيه.
هذا هو تمام الكلام في مقتضى الحكم العقلى ، فيقع حينئذ الكلام في ما يستفاد من النقل مثل حديث الرفع وغيره.
فنقول أوّلا : يمكن ورود الترخيص في بعض أطراف هذه الشبهة (١) ، وبه يرتفع
__________________
(١) محصّل القول في إمكان الترخيص في بعض أطراف العلم الإجمالى أنّه كما يمكن أن يحدث المزاحم في خصوص مورد التكليف كأن يتوقّف حفظ حياة العبد على شرب الخمر ، كذلك من الممكن أن يحدث في الاحتياط بمراعاة جميع الأطراف التي يكون الواقع فيها مشتبها ، كأن يكون هذا الاشتغال مفوّتا لتكميل آخر عن العبد ففي الأوّل لا محالة يتقيّد الغرض الباعث على التكليف بغير هذه الصورة ، وفي الثاني لا يجوز رفع اليد عن ذلك الغرض ، كما لا يجوز عن مزاحمه ، بل يجب الجمع بينهما بقدر الإمكان ، وهو يمكن بأحد أنحاء ثلاثة ، إمّا بالإذن في البعض الغير المعيّن ، وإمّا في البعض المعيّن ، لاختصاص غيرة بأولويّة المراعاة ، وإمّا بالإذن في كلّ مقيّدا بترك الآخر.
ولا فرق في ما ذكرنا بين أن نختار في وجه الجمع بين هذا الترخيص والتكليف الواقعى القول ـ