النعم ، ثم أخبر عمن كفره ، ولم يشكر نعمه بقوله : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها (٨٣)) [النحل].
قال مجاهد : المساكن والأنعام وسرابيل الثياب والحديد يعرفه كفار قريش ، ثم ينكرونه بأن يقولوا : هذا كان لآبائنا ، ورثناه عنهم.
وقال عون بن عبد الله : يقولون : لو لا فلان لكان كذا وكذا. وقال الفراء وابن قتيبة : يعرفون أن النعم من الله ، ولكن يقولون : هذه بشفاعة آلهتنا. وقالت طائفة : النعمة هاهنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، وإنكارها جحدهم نبوته ، وهذا يروى عن مجاهد والسّدي ، وهذا أقرب إلى حقيقة الإنكار ، فإنه إنكار لما هو أجلّ النعم أن تكون نعمة.
وأما على القول الأول والثاني والثالث ، فإنهم لما أضافوا النعمة إلى غير الله ، فقد أنكروا نعمة الله بنسبتها إلى غيره ، فإن الذي قال : إنما كان هذا لآبائنا ، ورثناه كابرا عن كابر جاحدا لنعمة الله عليه غير معترف بها ، وهو كالأبرص والأقرع اللذين ذكّرهما الملك بنعم الله عليهما ، فأنكرا ، وقالا : إنما ورثنا هذا كابرا عن كابر ، فقال : إن كنتما كاذبين فصيّر كما الله إلى ما كنتما (١).
وكونها موروثة عن الآباء أبلغ في إنعام الله عليهم إذ أنعم بها على آبائهم ، ثم ورّثهم إياها ، فتمتعوا هم وآباؤهم بنعمه. وأما قول الآخرين : لو لا فلان لما كان كذا ، فيتضمن قطع إضافة النعمة إلى من لولاه لم تكن ، وإضافتها إلى من لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا ، وغايته أن تكون جزءاً من أجزاء السبب ، أجرى الله تعالى نعمته على يده ، والسبب لا يستقل بالإيجاد ،
__________________
(١) انظر العزو الآنف إلى الصحيحين.