وجعله سببا هو من نعم الله عليه ، وهو المنعم بتلك النعمة ، وهو المنعم بما جعله من أسبابها ، فالسبب والمسبب من إنعامه ، وهو سبحانه قد ينعم بذلك السبب ، وقد ينعم بدونه ، فلا يكون له أثر ، وقد يسلبه تسببيته ، وقد يجعل لها معارضا يقاومها ، وقد يرتب على السبب ضد مقتضاه ، فهو وحده المنعم على الحقيقة.
وأما قول القائل : بشفاعة آلهتنا ، فتضمن الشرك ، مع إضافة النعمة إلى غير وليّها ، فالآلهة التي تعبد من دون الله أحقر وأذل من أن تشفع عند الله ، وهي محضرة في الهوان والعذاب مع عابديها. وأقرب الخلق إلى الله وأحبهم إليه لا يشفع عنده إلا من بعد إذنه لمن ارتضاه. فالشفاعة بإذنه من نعمه ، فهو المنعم بالشفاعة ، وهو المنعم بقبولها ، وهو المنعم بتأهيل المشفوع له إذ ليس كل أحد أهلا أن يشفع له ، فمن المنعم على الحقيقة سواه؟! قال تعالى (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ (٥٣)) [النحل].
فالعبد لا خروج له عن نعمته وفضله ومنته وإحسانه طرفة عين ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولهذا ذم الله سبحانه من آتاه شيئا من نعمه فقال : إنما أوتيته على علم عندي. وفي الآية الأخرى (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ (٤٩)) [الزمر].
وقال البغوي : على علم من الله أنّي له أهل. وقال مقاتل : على خير علمه الله عندي. وقال آخرون : على علم من الله أني له أهل ، ومضمون هذا القول ، أن الله آتانيه على علمه بأني أهله. وقال آخرون : بل العلم له نفسه ، ومعناه : أوتيته على علم مني بوجوه المكاسب ، قاله قتادة وغيره ، وقيل : المعنى قد علمت أني لما أوتيت هذا في الدنيا ، فلي عند الله منزلة وشرف ، وهذا معنى قول مجاهد : أوتيته على شرف. قال تعالى : بل هي فتنة ، أي : النعم التي أوتيها ، فتنة نختبره فيها ومحنة نمتحنه بها ، لا يدل على اصطفائه