واجتبائه ، وأنه محبوب لنا مقرب عندنا ، ولهذا قال في قصة قارون (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً (٧٨)) [القصص].
فلو كان إعطاء المال والقوة والجاه ، يدل على رضاء الله سبحانه عمن آتاه ذلك ، وشرف قدره ، وعلو منزلته عنده ، لما أهلك من آتاه من ذلك أكثر مما آتى قارون ، فلما أهلكهم مع سعة هذا العطاء وبسطته ، علم أن عطاءه إنما كان ابتلاء وفتنة ، لا محبة ورضا واصطفاء لهم على غيرهم ، ولهذا قال في الآية الأخرى : بل هي فتنة ، أي : النعمة فتنة ، لا كرامة ، ولكن أكثرهم لا يعلمون.
ثم أكد هذا المعنى بقوله (قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا (٥١)) [الزمر] أي : قد قال هذه المقالة الذين من قبلهم ، لمّا آتيناهم نعمنا قال : قال ابن عباس : كانوا قد بطروا نعمة الله إذ آتاهم الدنيا ، وفرحوا بها وطغوا ، وقالوا : هذه كرامة من الله لنا. وقوله فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ، المعنى : أنهم ظنوا أن ما آتيناهم لكرامتهم علينا ، ولم يكن كذلك ، لأنهم وقعوا في العذاب ، ولم يغن عنهم ما كسبوا شيئا ، وتبين أن تلك النعم لم تكن لكرامتهم علينا ، وهو أن من منعناه إياها.
وقال أبو إسحاق : معنى الآية أن قولهم إنما آتانا الله ذلك لكرامتنا عليه ، وإنا أهله ، أحبط أعمالهم ، فكنى عن إحباط العمل بقوله (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠)) [الزمر] ثم أبطل سبحانه هذا الظن الكاذب منهم بقوله (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ (٥٢)) [الزمر].
والمقصود أن قوله : على علم عندي ، إن أريد به علمه نفسه ، كان