على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء» (١) فهذا هو الذّكر الذي كتب فيه أن الدنيا تصير لأمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم.
والكتب المنزلة قد أطلق عليها الزّبر في قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ (٤٤)) [النحل] أي : أرسلناهم بالآيات الواضحات والكتب التي فيها الهدى والنور. والذكر هاهنا : الكتابان اللذان أنزلا قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهما التوراة والإنجيل.
والذكر في قوله : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (٤٤)) [النحل] هو القرآن ، ففي هذه الآية علمه بما كان قبل كونه ، وكتابته له بعد علمه ، وقال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢)) [يس] فجمع بين الكتابين الكتاب السابق لأعمالهم قبل وجودهم ، والكتاب المقارن لأعمالهم ، فأخبر أنه يحييهم بعد ما أماتهم للبعث ، ويجازيهم بأعمالهم ، ونبّه بكتابته لها على ذلك ، قال : نكتب ما قدّموا من خير أو شر فعلوه في حياتهم ، وآثارهم ما سنّوا من سنة خير أو شر ، فاقتدي بهم فيها بعد موتهم.
وقال ابن عباس في رواية عطاء : آثارهم : ما أثروا من خير أو شر كقوله (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣)) [القيامة].
فإن قلت : قد استفيد هذا من قوله : قدموا ، فما أفاد قوله آثارهم على قوله؟.
(قلت) أفاد فائدة جليلة ، وهو أنه سبحانه يكتب ما عملوه وما تولّد من
__________________
(١) رواه البخاري (٣١٩٠) و (٣١٩١) عن عمران بن حصين.