أعمالهم ، فيكون المتولد عنها ، كأنهم عملوه في الخير والشر ، وهو أثر أعمالهم ، فآثارهم هي آثار أعمالهم المتولدة عنها ، وهذا القول أعمّ من قول مقاتل ، وكأن مقاتلا أراد التمثيل والبيان ، على عادة السلف في تفسير اللفظة العامة بنوع أو فرد من أفراد مدلولها تقريبا وتمثيلا لا حصرا وإحاطة.
وقال أنس وابن عباس في رواية عكرمة : نزلت هذه الآية في بني سلمة ، أرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد ، وكانت منازلهم بعيدة ،. فلما نزلت قالوا : بل نمكث مكاننا. واحتج أرباب هذا القول بما في صحيح البخاري ، من حديث أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية المدينة ، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد ، فنزلت هذه الآية : «إنّا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم» فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم» (١).
وقد روى مسلم في صحيحه نحوه من حديث جابر وأنس (٢).
وفي هذا القول نظر ، فإن سورة يس مكية ، وقصة بني سلمة بالمدينة إلا أن يقال : هذه الآية وحدها مدنية ، وأحسن من هذا أن تكون ذكرت عند هذه القصة ، ودلت عليها ، وذكّروا بها عندها إما من النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإما من جبريل ، فأطلق على ذلك النزول. ولعل هذه مراد من قال في نظائر ذلك : نزلت مرتين ، والمقصود أن خطاهم إلى المساجد من آثارهم التي يكتبها الله لهم.
__________________
(١) رواه البخاري (٦٥٥) و (٦٥٦) و (١٨٨٧) عن أنس ، ولفظه : «يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم». ولم أره عن أبي سعيد ، ثم إن اللفظ الذي ساقه المؤلف مما رواه مسلم ، وانظر ما بعده.
(٢) رواه مسلم (٦٦٥) عن جابر بن عبد الله.