الباب الثاني عشر
في ذكر المرتبة الثالثة من مراتب القضاء والقدر وهي
مرتبة المشيئة
وهذه المرتبة قد دلّ عليها إجماع الرسل ، من أولهم إلى آخرهم ، وجميع الكتب المنزلة من عند الله ، والفطرة التي فطر الله عليها خلقه ، وأدلة العقول والعيان ، وليس في الوجود موجب ومقتض إلا مشيئة الله وحده ، فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن. هذا عموم التّوحيد الذي لا يقوم إلّا به. والمسلمون من أولهم إلى آخرهم مجمعون على أنه ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن. وخالفهم في ذلك من ليس منهم في هذا الموضع ، وإن كان منهم في موضع آخر ، فجوّزوا أن يكون في الوجود ما لا يشاء الله ، وأن يشاء ما لا يكون ، وخالف الرسل كلهم وأتباعهم من نفي مشيئة الله بالكلية ، ولم يثبت له سبحانه مشيئة واختيارا ، أوجد بها الخلق ، كما يقوله طوائف من أعداء الرسل من الفلاسفة وأتباعهم.
والقرآن والسنة مملوءان بتكذيب الطائفتين ، فقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (٢٥٣)) [البقرة] وقال تعالى (كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠)) [آل عمران] وقال (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا