للرب ، واقع بمشيئته كطاعات الملائكة والأنبياء والمؤمنين ، وما لم يوجد منه ، تعلقت به محبته وأمره الديني ، ولم تتعلق به مشيئته.
وما وجد من الكفر والفسوق والمعاصي ، تعلقت به مشيئته ، ولم تتعلق به محبته ولا رضاه ولا أمره الديني ، وما لم يوجد منها ، لم تتعلق به مشيئته ولا محبته ، فلفظ المشيئة كوني ، ولفظ المحبة ديني شرعي ، ولفظ الإرادة ينقسم إلى إرادة كونية ، فتكون هي المشيئة ، وإرادة دينية ، فتكون هي المحبة.
إذا عرفت هذا ، فقوله تعالى (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ (٧)) [الزمر] وقوله (لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥)) [البقرة] وقوله (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (١٨٥)) [البقرة] لا يناقص نصوص القدر والمشيئة العامة الدالة على وقوع ذلك بمشيئته وقضائه وقدره ، فإن المحبة غير المشيئة ، والأمر غير الخلق ، ونظير هذا لفظ الأمر ، فإنه نوعان : أمر تكوين ، وأمر تشريع ، والثاني قد يعصى ويخالف ، بخلاف الأول ، فقوله تعالى (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها (١٦)) [الإسراء] لا يناقض قوله (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ (٢٨)) [الأعراف] ولا حاجة إلى تكلّف تقدير : أمرنا مترفيها بالطاعة ، فعصونا ، وفسقوا فيها ، بل الأمر هاهنا أمر تكوين وتقدير ، لا أمر تشريع ، لوجوه : أحدها أن المستعمل في مثل هذا التركيب أن يكون ما بعد الفاء هو المأمور به ، كما تقول : أمرته فقام ، وأمرته فأكل ، كما لو صرح بلفظه «أفعل» كقوله تعالى (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا (٣٤)) [البقرة] وهذا كما تقول : دعوته فأقبل. وقال تعالى (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ (٥٢)) [الإسراء].
الثاني أن الأمر بالطاعة لا يخصّ المترفين ، فلا يصحّ حمل الآية عليه ، بل تسقط فائدة ذكر المترفين ، فإن جميع المبعوث إليهم مأمورون بالطاعة ، فلا يصح أن يكون أمر المترفين علة إهلاك جميعهم.