الباب الثالث عشر
في ذكر المرتبة الرابعة من مراتب القضاء والقدر وهي
مرتبة خلق الله سبحانه الأعمال وتكوينه وإيجاده لها
وهذا أمر متفق عليه بين الرسل صلى الله تعالى عليهم وسلم ، وعليه اتفقت الكتب الإلهية والفطر والعقول والاعتبار ، وخالف في ذلك مجوس الأمة ، فأخرجت طاعات ملائكته وأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين ، وهي أشرف ما في العالم ، عن ربوبيته وتكوينه ومشيئته ، بل جعلوهم هم الخالقين لها ، ولا تعلق لها بمشيئته ، ولا تدخل تحت قدرته ، وكذلك قالوا في جميع أفعال الحيوانات الاختيارية ، فعندهم أنه سبحانه لا يقدر أن يهدي ضالا ، ولا يضل مهتديا ، ولا يقدر أن يجعل المسلم مسلما والكافر كافرا والمصلي مصليا ، وإنما ذلك بجعلهم أنفسهم كذلك ، لا بجعله تعالى.
وقد نادى القرآن بل الكتب السماوية كلها والسنة وأدلّة التوحيد والعقول على بطلان قولهم ، وصاح بهم أهل العلم والإيمان من أقطار الأرض ، وصنّف حزب الإسلام وعصابة الرسول وعسكره التصانيف في الردّ عليهم ، وهي أكثر من أن يحصيها إلا الله ، ولم تزل أيدي السلف وأئمة السنة في أقفيتهم ، ونواصيهم تحت أرجلهم ، إذ كانوا يردون باطلهم بالحق المحض وبدعتهم بالسنة ، والسنة لا يقوم لها شيء ، فكانوا معهم كالذمة مع المسلمين