ولم يستوحش هؤلاء من القول بوقوع مفعول بين فاعلين ولا مقدور بين قادرين ، قالوا : كما يمتنع وقوع معلوم بين عالمين ومراد بين مريدين ومحبوب بين محبوبين ، ومكروه بين مكروهين ، قالوا : ونحن نشاهد قادرين مستقلين ، كل منهما يمكنه أن يستقل بالفعل ، يقع بينهما مفعول واحد ، يشتركان في فعله والتأثير فيه ، قالوا : وليس معكم ما يبطل هذا إلا قولكم : إن إضافته إلى أحدهما على سبيل الاستقلال ، يمنع إضافته إلى الآخر ، وإضافته إليهما ، وفي هذه الحجة إجمال ، لا بد له من تفصيل ؛ فيجوز وقوع مفعول بين فاعلين ، لا يستقلّ أحدهما به كالمتعاونين على الأمر ، لا يقدر عليه أحدهما وحده ، ويجوز وقوع مفعول بين فاعلين ، يشتركان فيه ، كل منهما يستقل به على سبيل البدل ، وهذا ظاهر أيضا. ويجوز وقوع مفعول بين فاعلين ، يشتركان فيه ، وكلّ منهما يقدر عليه حال الانفراد ، كمحمول يحمله اثنان ، كل منهما يمكنه أن يستقل بحمله وحده ، وكل هذه الأقسام ممكنة بل واقعة.
بقي قسم واحد وهو مفعول بين فاعلين ، كل منهما فعله على سبيل الاستقلال ، فهذا محال ، فإنّ استقلال كل منهما بفعله ينفي فعل الآخر له ، فاستقلالهما ينافي استقلالهما. وأكثر الطوائف يقر بوقوع مقدور بين قادرين ، وإن اختلفوا في كيفية وقوعه.
فقالت طائفة : الفعل يضاف إلى قدرة الله سبحانه على وجه الاستقلال بالتأثير ، ويضاف إلى قدرة العبد ، لكنها غير مستقلة ، فإذا انضمت قدرة الله إلى قدرة العبد ، سارت قدرة العبد مؤثرة ، على سبيل الاستقلال ، بتوسط إعانة قدرة الله ، وجعل قدرة العبد مؤثرة ، والقائل بهذا لم يتخلص من الخطأ حيث زعم أنّ قدرة العبد مستقلة بإعانة قدرة الله له ، فعاد الأمر إلى اجتماع مؤثرين على أثر واحد ، لكن قدرة أحدهما وتأثيره مستند إلى قدرة