الآخر وتأثيره ، وكأنه ، والله أعلم ، أراد أنّ قدرة الرب مستقلة بالتأثير في إيجاد الفعل ، وهذا قد قاله طائفة من العلماء ، وقائل هذا لم يتخلص من الخطأ حيث جعل قدرة العبد مستقلة بالتأثير في إيجاد المقدور ، وهذا باطل ، إذ غاية قدرة العبد أن تكون سببا بل جزءا من السبب ، والسبب لا يستقل بحصول المسبّب ، ولا يوجبه ، وليس في الوجود ما يوجب حصول المقدور إلا مشيئة الله وحده ، وأصحاب هذا القول زعموا أنّ الله أعطى العبد قدرة وإرادة ، وفوض إليه بهما الفعل والترك ، وخلاه وما يريد ، فهو يفعل ويترك بقدرته وإرادته اللتين فوض إليه الفعل والترك بهما.
وقالت طائفة أخرى : مقدور العبد هو عين مقدور الرب ، بشرط أن يفعله العبد إذا تركه الربّ ، ولم يفعله ، لا على أنه يفعله ، والرب له فاعل ، لاستحالة خلق بين خالقين ، وهذا بعينه مذهب من يقول بوقوع مفعول بين فاعلين على سبيل ، وهذا مذهب كثير من القدرية ، منهم الشحّام وغيره.
وقالت طائفة : يجوز وقوع فعل بين فاعلين بنسبتين مختلفتين ، بإحداهما يكون محدثا ، وبالأخرى يكون كاسبا ، وهذا مذهب النجار (١) وضرار بن عمرو (٢) ومحمد بن عيسى بن حفص ، والفرق بين هذا المذهب ومذهب الأشعريين من وجهين :
أحدهما : أن صاحب هذا المذهب يقول : العبد فاعل حقيقة ، وإن لم
__________________
(١) النجار هو الحسين بن محمد الرازي رأس النّجّاريّة ، كان ينكر الرؤية ويقول بخلق القرآن.
(٢) ضرار بن عمرو رأس الضّرارية من المعتزلة ، كان ينكر عذاب القبر. مات في زمن الرشيد.