الله بعبده ، والغفلة فعل العبد.
فصل
ومن ذلك قوله تعالى إخبارا عن نبيه شعيب أنه قال لقومه : (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا (٨٩)) [الأعراف].
وهذا يبطل تأويل القدرية المشيئة في مثل ذلك بمعنى الأمر ، فقد علمت أنه من الممتنع على الله أن يأمر بالدخول في ملة الكفر والشرك به ، ولكن استثنوا بمشيئته التي يضل بها من يشاء ، ويهدي من يشاء. ثم قال شعيب : وسع ربّنا كلّ شيء علما ، فردّ الأمر إلى مشيئته وعلمه ، فإن له سبحانه في خلقه علما محيطا ، ومشيئته نافذة وراء ما يعلمه الخلائق ، فامتناعنا من العود فيها هو مبلغ علومنا ومشيئتنا. ولله علم آخر ومشيئة أخرى وراء علومنا ومشيئتنا ، فلذلك ردّ الأمر إليه.
ومثله قول إبراهيم : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠)) [الأنعام] فأعادت الرّسل ، بكمال معرفتها بالله ، أمورها إلى مشيئة الرب وعلمه ، ولهذا أمر الله رسوله أن لا يقول لشيء أنه فاعله حتى يستثني بمشيئة الله ، فإنه إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله ، وقد تقدم تقرير هذا المعنى.
وبالجملة فكلّ دليل في القرآن على التوحيد فهو دليل على القدر وخلق أفعال العباد ، ولهذا كان إثبات القدر أساس التوحيد.