الباب الرابع عشر
في الهدى والضلال ومراتبهما ، والمقدور منهما للخلق ،
وغير المقدور لهم
هذا المذهب هو قلب أبواب القدر ومسائله ، فإن أفضل ما يقدر الله لعبده وأجلّ ما يقسمه له الهدى ، وأعظم ما يبتليه به ويقدره عليه الضلال ، وكلّ نعمة دون نعمة الهدى ، وكلّ مصيبة دون مصيبة الضلال. وقد اتفقت رسل الله ، من أولهم إلى آخرهم ، وكتبه المنزلة عليهم ، على أنه سبحانه يضل من يشاء ، ويهدي من يشاء ، وأنه من يهده الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأن الهدى والإضلال بيده لا بيد العبد ، وأن العبد هو الضال أو المهتدي ؛ فالهداية والإضلال فعله سبحانه وقدره ، والاهتداء والضلال فعل العبد وكسبه ، ولا بد قبل الخوض في تقرير ذلك من ذكر مراتب الهدى والضلال في القرآن.
فأما مراتب الهدى فأربعة.
إحداها : الهدى العام ، وهو هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها ، وهذا أعمّ مراتبه.
المرتبة الثانية : الهدى بمعنى البيان والدلالة والتعليم والدعوة إلى مصالح العبد في معاده ، وهذا خاص بالمكلفين ، وهذه المرتبة أخص من المرتبة