وقال : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧)) [التوبة].
ولعمر الله إنّ الذي قاله هؤلاء ، حقّه أكثر من باطله ، وصحيحه أكثر من سقيمه ، ولكن لم يوفوه حقه ، وعظّموا الله من جهة ، وأخلّوا بتعظيمه من جهة ، فعظموه بتنزيهه عن الظلم وخلاف الحكمة ، وأخلّوا بتعظيمه من جهة التوحيد وكمال القدرة ونفوذ المشيئة ، والقرآن يدل على صحة ما قالوه في الران والطبع والختم من وجه ، وبطلانه من وجه.
وأما صحته فإنه سبحانه جعل ذلك عقوبة لهم وجزاء على كفرهم وإعراضهم عن الحق ، بعد أن عرفوه ، كما قال تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥)) [الصف] وقال : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)) [المطففين] وقال : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)) [الأنعام] وقال : (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ (١٢٧)) [التوبة].
وقد اعترف بعض القدرية بأن ذلك خلق الله سبحانه ، ولكنه عقوبة على كفرهم وإعراضهم السابق ، فإنه سبحانه يعاقب على الضلال المقدور بإضلال بعده ، ويثيب على الهدى بهدى بعده ، كما يعاقب على السيئة بسيئة مثلها ، ويثيب على الحسنة بحسنة مثلها ، وقال تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧)) [محمد] وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٧١)) [الأحزاب] وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ (٢٩)) [الأنفال].
ومن الفرقان الهدى الذي يفرق به بين الحق والباطل ، وقال في ضد ذلك : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا (٨٨)) [النساء] وقال :