(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً (١٠)) [البقرة] وقال : (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ (١٢٧)) [التوبة].
وهذا الذي ذهب إليه هؤلاء حقّ ، والقرآن دلّ عليه ، وهو موجب العدل ، والله سبحانه ماض في العبد حكمه ، عدل في عبده قضاؤه ، فإنه إذا دعا عبده إلى معرفته ومحبته وذكره وشكره ، فأبى العبد إلا إعراضا وكفرا ، قضى عليه بأن أغفل قلبه عن ذكره ، وصد عن الإيمان به ، وحال بين قلبه وبين قبول الهدى ، وذلك عدل منه فيه ، وتكون عقوبته بالختم والطبع والصد عن الإيمان كعقوبته به بذلك في الآخرة ، مع دخول النار ، كما قال : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦)) [المطففين].
فحجابه عنهم إضلال لهم وصدّ عن رؤيتهم وكمال معرفته ، كما عاقب قلوبهم في هذه الدار بصدها عن الإيمان ، وكذلك عقوبته لهم بصدهم عن السجود له يوم القيامة مع الساجدين ، هو جزاء امتناعهم من السجود له في الدنيا ، وكذلك عماهم عن الهدى في الآخرة عقوبة لهم على عماهم في الدنيا ، ولكن أسباب هذه الجرائم في الدنيا كانت مقدورة لهم واقعة باختيارهم وإرادتهم وفعلهم ، فإذا وقعت عقوبات لم تكن مقدورة ، بل قضاء جار عليهم ماض عدل فيهم ، وقال تعالى : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢)) [الإسراء].
ومن هاهنا ينفتح للعبد باب واسع عظيم النفع جدا ، في قضاء الله المعصية والكفر والفسوق على العبد ، وإن ذلك محض عدل فيه ، وليس المراد بالعدل ما يقوله الجبرية : إنه الممكن ، فكل ما يمكن فعله بالعبد ، فهو عندهم عدل ، والظلم هو الممتنع لذاته ، فهؤلاء قد سدوا على أنفسهم باب الكلام في الأسباب والحكم. ولا المراد به ما تقوله القدرية النفاة : إنه إنكار عموم قدرة الله ومشيئته على أفعال عباده وهدايتهم وإضلالهم وعموم مشيئته