حقائق الإيمان وحقائق العبودية وما يصحّحها وما يفسدها ، وتفاوت معرفة الأسماء والصفات والإيمان والإخلاص وأحكام العبودية بحسب تفاوتهم في هذا النور. قال تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها (١٢٢)) [الأنعام] وقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ (٢٨)) [الحديد].
فيكشف لقلب المؤمن ، في ضوء ذلك النور ، عن حقيقة المثل الأعلى مستويا على عرش الإيمان في قلب العبد المؤمن ، فيشهد بقلبه ربا عظيما قاهرا قادرا أكبر من كل شيء ، في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ، السموات السبع قبضة إحدى يديه ، والأرضون السبع قبضة اليد الأخرى ، يمسك السموات على إصبع والأرضين على إصبع ، والجبال على إصبع ، والشجر على إصبع ، والثرى على إصبع ، ثم يهزهن ، ثم يقول : أنا الملك. فالسماوات السبع في كفه كخردلة في كف العبد ، يحيط ولا يحاط به ، ويحصر خلقه ولا يحصرونه ، ويدركهم ولا يدركونه ، لو أنّ الناس من لدن آدم إلى آخر الخلق قاموا صفا واحدا ما أحاطوا به سبحانه ، ثم يشهده في علمه فوق كل عليم ، وفي قدرته فوق كل قدير ، وفي جوده فوق كل جواد ، وفي رحمته فوق كل رحيم ، وفي جماله فوق كل جميل ، حتى لو كان جمال الخلائق كلهم على شخص واحد منهم ، ثم أعطي الخلق كلهم مثل ذلك الجمال ، لكانت نسبته إلى جمال الرب سبحانه دون نسبة سراج ضعيف إلى ضوء الشمس.
ولو اجتمعت قوى الخلائق على شخص واحد منهم ، ثم أعطي كل منهم مثل تلك القوة ، لكانت نسبتها إلى قوته سبحانه دون نسبة قوة البعوضة إلى حملة العرش ، ولو كان جودهم على رجل واحد ، وكل الخلائق على ذلك