الخير حيث كان ، ثم رضّني به. قال : ويسمي حاجته» (١).
قال الترمذي (٢) : هذا حديث حسن صحيح.
فقوله : إذا همّ أحدكم بالأمر ، صريح في أنه الفعل الاختياريّ المتعلق بإرادة العبد ، وإذا علم ذلك ، فقوله : أستقدرك بقدرتك ، أي : أسألك أن تقدرني على فعله بقدرتك ، ومعلوم أنه لم يسأل القدرة المصححة التي هي سلامة الأعضاء وصحة البنية ، وإنما سأل القدرة التي توجب الفعل ، فعلم أنها مقدورة لله ومخلوقة له ، وأكّد ذلك بقوله : فإنك تقدر ولا أقدر ، أي : تقدر أن تجعلني قادرا فاعلا ، ولا أقدر أن أجعل نفسي كذلك ، وكذلك قوله : تعلم ولا أعلم ، أي : حقيقة العلم بعواقب الأمور ومآلها ، والنافع منها والضار عندك ، وليس عندي. وقوله : يسّره لي ، أو اصرفه عني ، فإنه طلب من الله تيسيره إن كان له فيه مصلحة ، وصرفه عنه إن كان فيه مفسدة. وهذا التيسير والصرف متضمن إلقاء داعية الفعل في القلب ، أو إلقاء داعية الترك فيه ، ومتى حصلت داعية الفعل ، حصل الفعل ، وداعية الترك امتنع الفعل.
وعند القدرية ترجيح فاعلية العبد على الترك منه ، ليس للرب فيه صنع ولا تأثير ، فطلب هذا التيسير منه لا معنى له عندهم ، فإنّ تيسير الأسباب التي لا قدرة للعبد عليها موجود ، ولم يسأله العبد.
وقوله : ثم رضّني به ، يدلّ على أن حصول الرضا ، وهو فعل اختياري من أفعال القلوب ، أمر مقدور للرب تعالى ، وهو الذي يجعل نفسه راضيا.
__________________
(١) رواه البخاري (١١٦٢) عن جابر بن عبد الله.
(٢) في (٤٨٠).