وقوله : فاصرفه عني ، واصرفني عنه ، صريح في أنه سبحانه هو الذي يصرف عبده عن فعله الاختياري ، إذا شاء صرفه عنه ، كما قال تعالى في حق يوسف الصديق (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ (٢٤)) [يوسف] وصرف السوء والفحشاء هو صرف دواعي القلب وميله إليهما ، فينصرفان عنه بصرف دواعيهما.
وقوله : واقدر لي الخير حيث كان ، يعم الخير المقدور للعبد من طاعته وغير المقدور له ، فعلم أن فعل العبد للطاعة والخير أمر مقدور لله ، إن لم يقدره الله لعبده ، لم يقع من العبد.
ففي هذا الحديث الشفاء في مسألة القدر ، وأمر النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم الداعي به أن يقدّم بين يدي هذا الدعاء ركعتين عبودية منه بين يدي نجواه ، وأن يكونا من غير الفريضة ، ليتجرّد فعلهما لهذا الغرض المطلوب ، ولما كان الفعل الاختياري متوقفا على العلم والقدرة والإرادة ، لا يحصل إلا بها ، توسّل الداعي إلى الله بعلمه وقدرته وإرادته التي يؤتيه بها من فضله ، وأكد هذا المعنى بتجرده وبراءته من ذلك ، فقال : إنك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر. وأمر الداعي أن يعلّق التيسير بالخير ، والصرف بالشر ، وهو علم الله سبحانه تحقيقا للتفويض إليه واعترافا بجهل العبد بعواقب الأمور ، كما اعترف بعجزه ، ففي هذا الدعاء إعطاء العبودية حقها وإعطاء الربوبية حقها ، وبالله المستعان.
وفي الترمذي (١) وغيره من حديث الحسن بن علي قال : علّمني رسول الله صلىاللهعليهوسلم كلمات أقولهن في الوتر : «اللهمّ اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولّني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شرّ ما
__________________
(١) الترمذي (٤٦٤) وهو صحيح من حديث الحسن بن علي بن أبي طالب.