الوجه الثاني : من الكسب كسب المال من التجارة ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (٢٦٧)) [البقرة] فالأول للتجار ، والثاني للزّراع.
الوجه الثالث : من الكسب السّعي والعمل ، كقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ (٢٨٦)) [البقرة] وقوله : (بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩)) [الأعراف] (وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ (٧٠)) [الأنعام] فهذا كله للعمل ، واختلف الناس في الكسب والاكتساب ، هل هما بمعنى واحد أم بينهما فرق ، فقالت طائفة : معناهما واحد. قال أبو الحسن علي بن أحمد ، وهو الصحيح عند أهل اللغة ، ولا فرق بينهما ، قال ذو الرمة :
ألفى أباه بذاك الكسب يكتسب |
وقال الآخرون : الاكتساب أخصّ من الكسب ، لأن الكسب ينقسم إلى كسبه لنفسه ولغيره ، ولا يقال : يكتسب ، قال الحطيئة :
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة |
|
فاغفر هداك مليك الناس يا عمر |
قلت : والاكتساب افتعال ، وهو يستدعي اهتماما وتعملا واجتهادا ، وأما الكسب فيصح نسبته بأدنى شيء ، ففي جانب الفضل جعل لها ما لها فيه أدنى سعي ، وفي جانب العدل لم يجعل عليها إلا ما لها فيه اجتهاد واهتمام ، وأما الجبر فيرجع في اللغة إلى ثلاثة أصول ، أحدها : أن يغنى الرجل من فقر ، أو يجبر عظمه من كسر ، وهذا من الإصلاح ، وهذا الأصل يستعمل لازما ومتعديا ، يقول : جبرت العظم ، وجبر ، وقد جمع العجّاج بينهما في قوله :
قد جبر الدين الإله فجبر |