إلى مدح وذم ، لم يجئ اسمه المطلق في الأسماء الحسنى ، كالفاعل والعامل والصانع والمريد والمتكلم ، لانقسام معاني هذه الأسماء إلى محمود ومذموم ، بخلاف العالم والقادر والحي والسميع والبصير وقد سمّى النبيّ صلىاللهعليهوسلم العبد صانعا.
قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، قال : حدثنا أبو مالك ، عن ربعي بن حراش (١) ، عن حذيفة ، قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم «إن الله يصنع كل صانع وصنعته» (٢).
وقد أطلق سبحانه على فعله اسم الصنع ، فقال : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (٨٨)) [النمل] ، وهو منصوب على المصدر ، لأن قوله تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ (٨٨)) [النمل] يدل على الصنعة ، وقيل : هو نصب على المفعولية ، أي : انظروا صنع الله ، فعلى الأول يكون صنع الله مصدرا بمعنى الفعل ، وعلى الثاني ، يكون بمعنى المصنوع المفعول ، فإنه الذي يمكن وقوع النظر والرؤية عليه ، وأما الإنشاء فإنما وقع إطلاقه عليه سبحانه فعلا ، كقوله : (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢)) [الرعد] وقوله : (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ (١٩)) [المؤمنون] وقوله (وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١)) [الواقعة] وهو كثير ، ولم يرد لفظ المنشئ ، وأما العبد فيطلق عليه الإنشاء باعتبار آخر ، وهو شروعه في الفعل وابتداؤه له ، يقول : أنشأ يحدّثنا ، وأنشأ السير ، فهو منشئ لذلك ، وهذا إنشاء مقيّد ، وإنشاء الربّ إنشاء مطلق ، وهذه اللفظة تدور على معنى الابتداء : أنشأه الله ، أي : ابتدأ خلقه ، وأنشأ يفعل كذا : ابتدأ ، وفلان ينشئ الأحاديث : أي : يبتدئ وضعها ، والناشئ : أول
__________________
(١) تصحفت في المطبوع إلى : «خراش».
(٢) صحيح. رواه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص : ٧٣) عن حذيفة.