عائشة : ناشئة الليل القيام بعد النوم ، وهذا قول ابن الأعرابي ، قال : إذا نمت من أول الليل نومة ، ثم قمت ، فتلك النشأة ، ومنه ناشئة الليل.
فعلى قول الأولين ناشئة الليل بمعنى من ، إضافة نوع إلى جنسه ، أي : ناشئة منه ، وعلى قول هؤلاء إضافة بمعنى في ، أي : طاعة ناشئة فيه ، والمقصود أن الإنشاء ابتداء ، سواء تقدّمه مثله كالنشأة الثانية ، أو لم يتقدمه كالنشأة الأولى ، وأما الجعل فقد أطلق على الله سبحانه بمعنيين : أحدهما الإيجاد والخلق ، والثاني التصيير. فالأول يتعدى إلى مفعول ، كقوله : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ (١)) [الأنعام]. والثاني أكثر ما يتعدى إلى مفعولين ، كقوله : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا (٣)) [الزخرف].
وأطلق على العبد بالمعنى الثاني خاصة ، كقوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً (١٣٦)) [الأنعام].
وغالب ما يستعمل في حق العبد في جعل التسمية والاعتقاد حيث لا يكون له صنع في المجعول كقوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً (١٩)) [الزخرف] وقوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً (٥٩)) [يونس] وهذا يتعدى إلى واحد وهو جعل اعتقاد وتسمية ، وأما الفعل والعمل فإطلاقه على العبد كثير (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)) [المائدة] ، (لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢)) [المائدة] ، (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)) [المائدة] ، وأطلقه على نفسه فعلا واسما ، فالأول كقوله : (وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ (٢٧)) [إبراهيم] والثاني كقوله : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦)) [البروج] وقوله : (وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩)) [الأنبياء] في موضعين من كتابه : أحدهما قوله : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩)) [الأنبياء] والثاني قوله : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤)) [الأنبياء].