الباب الثامن عشر
في فعل وأفعل في القضاء والقدر
والكسب وذكر الفعل والانفعال
ينبغي الاعتناء بكشف هذا الباب ، وتحقيق معناه ، فبذلك ينحل عن العبد أنواع من ضلالات القدرية والجبرية ، حيث لم يعطوا هذا الباب حقّه من العرفان.
اعلم أن الرب سبحانه فاعل غير منفعل ، والعبد فاعل منفعل ، وهو في فاعليته منفعل للفاعل الذي لا ينفعل بوجه.
فالجبرية شهدت كونه منفعلا ، يجري عليه الحكم ، بمنزلة الآلة والمحل ، وجعلوا حركته بمنزلة حركات الأشجار ، ولم يجعلوه فاعلا إلا على سبيل المجاز ، فقام وقعد وأكل وشرب وصلى وصام عندهم بمنزلة مرض وألم ، ومات ونحو ذلك ، مما هو فيه منفعل محض.
والقدرية شهدت كونه فاعلا محضا غير منفعل في فعله.
وكلّ من الطائفتين نظر بعين عوراء ، وأهل العلم والاعتدال أعطوا كلا المقامين حقه ، ولم يبطلوا أحد الأمرين بالآخر ، فاستقام لهم نظرهم ومناظرتهم ، واستقر عندهم الشرع والقدر في نصابه ، ومهدوا وقوع الثواب