والعقاب على من هو أولى به ، فأثبتوا نطق العبد حقيقة ، وإنطاق الله له حقيقة ، قال تعالى : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ (٢١)) [فصلت] فالإنطاق فعل الله الذي لا يجوز تعطيله ، والنطق فعل العبد الذي لا يمكن إنكاره ، كما قال تعالى : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)) [الذاريات] فعلم أن كونهم ينطقون هو أمر حقيقي ، حتى شبه به في تحقيق كون ما أخبر به ، وأن هذا حقيقة لا مجاز ، ومن جعل إضافة نطق العبد إليه مجازا ، لم يكن ناطقا عنده حقيقة ، فلا يكون التشبيه بنطقه محققا لما أخبر به ، فتأمله.
ونظير هذا قوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣)) [النجم] فهو المضحك المبكي حقيقة ، والعبد الضاحك الباكي حقيقة ، كما قال تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً (٨٢)) [التوبة] وقال : (أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠)) [النجم].
فلولا المنطق الذي أنطق والمضحك المبكي الذي أضحك وأبكى ، لم يوجد ناطق ولا ضاحك ولا باك ، فإذا أحبّ عبدا أنطقه بما يحب ، وأثابه عليه ، وإذا أبغضه أنطقه بما يكرهه ، فعاقبه عليه ، وهو الذي أنطق هذا وهذا ، وأجرى ما يحبّ على لسان هذا ، وما يكره على لسان هذا ، كما أنه أجرى على قلب هذا ما أضحكه ، وعلى قلب هذا ما أبكاه ، وكذلك قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (٢٢)) [يونس] وقوله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ (١١)) [الأنعام] فالتسيير فعله حقيقة ، والسير فعل العبد حقيقة ، فالتسيير فعل محض ، والسير فعل وانفعال ، ومن هذا قوله تعالى (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها (٣٧)) [الأحزاب] فهو سبحانه المزوج ورسوله المتزوج ، وكذلك قوله (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤)) [الدخان] فهو المزوّج وهم المتزوجون وقد جمع سبحانه بين الأمرين في قوله : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ