مصالح نفوسهم ، ففعلوها ، وأوقفهم على عيوبها ، فأصلحوها ، وعرّفهم حظوظها العالية فبادروا إليها ، فجازى أولئك على نسيانهم بأن أنساهم الإيمان ومحبّته وذكره وشكره ، فلما خلت قلوبهم من ذلك ، لم يجدوا عن ضده محيصا ، وهذا يبين لك كمال عدله سبحانه في تقدير الكفر والذنوب عليها.
وإذا كان قضاؤه عليها ، بالكفر والذنوب ، عدلا منه عليها ، فقضاؤه عليها بالعقوبة أعدل وأعدل ، فهو سبحانه ماض في عبده حكمه عدل فيه قضاؤه ، وله فيها قضاءان : قضاء السبب ، وقضاء المسبب ، وكلاهما عدل فيه ، فإنه لما ترك ذكره وترك فعل ما يحبه ، عاقبه بنسيان نفسه ، فأحدث له هذا النسيان ارتكاب ما يبغضه ويسخطه ، بقضائه الذي هو عدل ، فترتب له على هذا الفعل والترك عقوبات وآلام ، لم يكن له منها بدّ ، بل هي مترتبة عليه ترتّب المسببات على أسبابها ، فهو عدل محض من الرب تعالى ، فعدل في العبد أولا وآخرا ، فهو محسن في عدله محبوب عليه محمود فيه ، يحمده من عدل فيه طوعا وكرها.
قال الحسن : لقد دخلوا النار ، وإنّ حمده لفي قلوبهم ، ما وجدوا عليه سبيلا ، وسنزيد هذا الموضع بسطا وبيانا في باب «دخول الشر في القضاء الإلهي» إن شاء الله ، إذ المقصود هاهنا بيان كون العبد فاعلا منفعلا ، والفرق في هذا الباب بين فعل وأفعل وأن الله سبحانه أفعل ، والعبد فعل ، فهو الذي أقام العبد وأضلّه وأماته ، والعبد هو الذي قام وضل ومات ، وأما قولكم : إن معنى أنطقه وأضحكه وأبكاه : جعل له آلة ينطق بها ويضحك ويبكي ، فإعطاؤه الآلة وحدها لا يكفي في صدق الفعل ، بأنه أنطقه وأضحكه ، فلو أنّ رجلا صمت يوما كاملا ، فحلف حالف أنّ الله أنطقه ، لكان كاذبا حانثا ، ولو دعوت كافرين إلى الإسلام فنطق أحدهما بكلمة الشهادة وسكت