قلت : كان ردّها عن طريقها ممكنا له مقدورا ، أصبت ، وإن قلت : لم يبق في هذه الحال بيده من أمرها شيء ، ولا هو متمكّن ، أصبت ، بل قد حال بينه وبين ردّها من يحول بين المرء وقلبه ، ومن يقلّب أفئدة المعاندين وأبصارهم.
وإذا أردت فهم هذا على الحقيقة ، فتأمل حال من عرضت له صورة بارعة الجمال ، فدعاه حسنها إلى محبّتها ، فنهاه عقله ، وذكره ما في ذلك من التلف والعطب ، وأراه مصارع العشّاق عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه ، فعاد يعاود النظر مرة مرة ، ويحثّ نفسه على التعلق وقوة الإرادة ، ويحرض على أسباب المحبة ، ويدني الوقود من النار ، حتى إذا اشتعلت وشبّ ضرامها ، ورمت بشررها ، وقد أحاطت به ، طلب الخلاص ، قال له القلب : هيهات : لات حين مناص ، وأنشده :
تولّع بالعشق حتى عشق |
|
فلما استقلّ به لم يطق |
رأى لجّة ظنها موجة |
|
فلما تمكّن منها غرق |
فكان التّرك أولا مقدورا له ، لما لم يوجد السبب التام والإرادة الحازمة الموجبة للفعل ، فلما تمكن الداعي ، واستحكمت الإرادة ، قال المحب لعاذله :
يا عاذلي والأمر في يده |
|
هلّا عذلت وفي يدي الأمر |
فكان أول الأمر إرادة واختيارا ومحبة ، ووسطه اضطرارا ، وآخره عقوبة وبلاء ، ومثّل هذا برجل ركب فرسا ، لا يملكه راكبه ، ولا يتمكن من ردّه ، وأجراه في طريق ينتهي به إلى موضع هلاك ، فكان الأمر إليه قبل ركوبها ، فلما توسطت به الميدان ، خرج الأمر عن يده ، فلما وصلت به إلى الغاية ، حصل على الهلاك. ويشبه هذا حال السكران الذي قد زال عقله ، إذا جني