عليه في حال سكره ، لم يكن معذورا لتعاطيه السبب اختيارا ، فلم يكن معذورا بما ترتّب عليه اضطرارا وهذا مأخذ من أوقع طلاقه من الأئمة.
ولهذا قالوا : إذا زال عقله بسبب يعذر فيه ، لم يقع طلاقه ، فجعلوا وقوع الطلاق عليه من تمام عقوبته ، والذين لم يوقعوا الطلاق قولهم أفقه ، كما أفتى به عثمان بن عفان ، ولم يعلم له في الصحابة مخالف ، ورجع عليه الإمام أحمد ، واستقر عليه قوله. فإنّ الطلاق ما كان عن وطر ، والسكران لا وطر له في الطلاق.
وقد حكم النبيّ صلىاللهعليهوسلم بعدم وقوع الطلاق في حال الغلق (١) ، والسكر من الغلق كما أنّ الإكراه والجنون من الغلق ، بل قد نصّ الإمام أحمد وأبو عبيد وأبو داود على أنّ الغضب إغلاق ، وفسر به الإمام أحمد الحديث في رواية أبي طالب ، وهذا يدل على أنّ مذهبه أن طلاق الغضبان لا يقع ، وهذا هو الصحيح الذي يفتى به ، إذا كان الغضب شديدا ، قد أغلق عليه قصده ، فإنه يصير بمنزلة السكران والمكره ، بل قد يكونان أحسن حالا منه ، فإن العبد في حال شدة غضبه يصدر منه ما لا يصدر من السكران من الأقوال والأفعال.
وقد أخبر الله سبحانه أنه لا يجيب دعاءه على نفسه وولده في هذه الحال ، ولو أجابه لقضى عليه أجله ، وقد عذر سبحانه من اشتدّ به الفرح بوجود راحلته في الأرض المهلكة بعد ما يئس منها ، فقال : اللهمّ أنت عبدي ، وأنا ربك ؛ ولم يجعله بذلك كافرا ، لأنه أخطأ بهذا القول من شدة الفرح ، فكمال رحمته وإحسانه وجوده يقتضي أن لا يؤاخذ من اشتد غضبه بدعائه على نفسه وأهله وولده ، ولا بطلاقه لزوجته ، وأما إذا زال عقله بالغضب ، فلم يعقل ما
__________________
(١) حسن. وهو حديث «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق» : رواه أحمد (٦ / ٢٧٦) وأبو داود (٢١٩٣) ، وابن ماجة (٢٠٤٦) عن عائشة.