القلوب ، وتصمد إليه بالحب والخوف والرجاء ، فالتوحيد الذي جاءت به الرسل هو إفراد الربّ بالتألّه الذي هو كمال الذل والخضوع والانقياد له ، مع كمال المحبة والإثابة وبذل الجهد في طاعته ومرضاته ، وإيثار محابّه ومراده الديني على محبة العبد ومراده ، فهذا أصل دعوة الرسل ، وإليه دعوا الأمم ، وهو التوحيد الذي لا يقبل الله من أحد دينا سواه ، لا من الأوّلين ولا من الآخرين ، وهو الذي أمر به رسله ، وأنزل به كتبه ، ودعا إليه عباده ، ووضع لهم دار الثواب والعقاب لأجله ، وشرع الشرائع لتكميله وتحصيله.
وكان من قولك أيها الجبريّ أنّ العبد لا قدرة له على هذا البتة ، ولا أثر له فيه ، ولا هو فعله ، وأمره بهذا أمر له بما لا يطيق ، بل أمر له بإيجاد فعل الرب ، وأن الرب سبحانه أمره بذلك ، وأجبره على ضده ، وحال بينه وبين ما أمره به ، ومنعه منه وصده عنه ، ولم يجعل له إليه سبيلا بوجه من الوجوه ، مع قولك : إنه لا يحبّ ولا يحبّ ، فلا تتألهه القلوب بالمحبة والود والشوق والطلب وإرادة وجهه. والتوحيد معنى ينتظم من إثبات الإلهية وإثبات العبودية ، فرفعت معنى الإلهية بإنكار كونه محبوبا مودودا ، تتنافس القلوب في محبته ، وإرادة وجهه والشوق إلى لقائه ، ورفعت حقيقة العبودية بإنكار كون العبد فاعلا وعابدا ومحبا ، فإنّ هذا كله مجاز لا حقيقة له عندك ، فضاع التوحيد بين الجبر وإنكار محبته وإرادة وجهه ، لا سيما والوصف الذي وصفته به منفّر للقلوب عنه ، حائل بينها وبين محبته ، فإنك وصفته بأنه يأمر عبده بما لا قدرة له على فعله ، وينهاه عما لا يقدر على تركه ، بل يأمره بفعله هو سبحانه ، وينهاه عن فعله هو سبحانه ، ثم يعاقبه أشدّ العقوبة على ما لم يفعله البتة ، بل يعاقبه على أفعاله هو سبحانه ، وصرّحت بأنّ عقوبته على ترك ما أمره وفعل ما نهاه بمنزلة عقوبته على ترك طيرانه إلى السماء ، وترك تحويله للجبال عن أماكنها ، ونقله مياه البحار عن مواضعها ، وبمنزلة عقوبته له على ما لا صنع له فيه ، من لونه وطوله وقصره ، وصرحت بأنه يجوز عليه أن