أنتم الأمر ، وقلبتم الحقائق ، فقلتم : من فعل هذه الأفعال حقيقة لا يشتق له منها اسم ، وإنما يشتق منها الأسماء لمن لم يفعلها ، ولم يحدثها ، وهذا خلاف العقول واللغات ، وما تتعارفه الأمم.
قال السني : هذا إنما يلزم إخوانك وخصومك الجبرية القائلين بأنّ العبد لم يفعل شيئا البتة ، وأما من قال : العبد فاعل لفعله حقيقة ، والله خالقه وخالق آلات فعله الظاهرة والباطنة ، فإنه إنما يشتق الأسماء لمن فعل تلك الأفعال ، فهو القائم والقاعد والمصلي والسارق والزاني حقيقة ، فإنّ الفعل إذا قام بالفاعل ، عاد حكمه إليه ، ولم يعد إلى غيره ، واشتقّ له منه اسم ، ولم يشتق لمن لم يقم به ، فههنا أربعة أمور : أمران معنويان في النفي والإثبات ، وأمران لفظيان فيهما ، فلما قام الأكل والشرب والزنا والسرقة بالعبد ، عادت أحكام هذه الأفعال إليه ، واشتقّت له منها الأسماء ، وامتنع عود أحكامها إلى الرب واشتقاق أسمائها له ، ولكن من أين يمنع هذا أن تكون معلومة للرب سبحانه ، مقدورة له ، مكونة له ، واقعة من العباد بقدرة ربهم وتكوينه؟.
قال القدري : لو كان خالقا لها ، لزمته هذه الأمور.
قال السني : هذا باطل ، ودعوى كاذبة ، فإنه سبحانه لا يشتق له اسم مما خلقه في غيره ، ولا يعود حكمه عليه ، وإنما يشتق الاسم لمن قام به ذلك ، فإنه سبحانه خلق الألوان والطعوم والروائح والحركات في محالها ، ولم يشتق له منها اسم ، ولا عادت أحكامها إليه ، ومعنى عود الحكم إلى المحل : الإخبار عنه بأنه يقوم ويقعد ويأكل ويشرب.
قال السنيّ : ومن هاهنا علم ضلال المعتزلة الذين يقولون : إنّ القرآن مخلوق ، خلقه الله في محل ، ثم اشتق له اسم المتكلم باعتبار خلقه له ،