وعاد حكمه إليه ، فأخبر عنه أنه تكلم به ، ومعلوم أنّ الله سبحانه خالق صفات الأجسام وأعراضها وقواها ، فكيف جاز أن يشتقّ له اسم مما خلقه من الكلام في غيره ، ولم يشتق له اسم مما خلقه من الصفات والأعراض في غيره؟ فأنت أيها القدريّ نقضت أصولك بعضها ببعض ، وأفسدت قولك في مسألة الكلام بقولك في مسألة القدر ، وقولك في القدر بقولك في الكلام ، فجعلته متكلما بكلام قائم بغيره ، وأبطلت أن يكون فاعل الفعل قائما بغيره ، فإن كنت أصبت في مسألة الكلام ، فقد نقضت أصلك في القدر ، وإن أصبت في هذا الأصل ، لزم خطأك في مسألة الكلام ، فأنت مخطئ على التقديرين.
قال القدري : فما تقول أنت في هذا المقام؟.
قال السني : لا تناقض في هذا ولا في هذا ، بل أصفه سبحانه بما قام به.
وأمتنع من وصفه بما لم يقم.
قال القدري : فالآن حمي الوطيس ، فأنت والمسلمون وسائر الخلق تسمونه تعالى خالقا ورازقا ومميتا ، والخلق والرزق والموت قائم بالمخلوق والمرزوق والميت ، إذ لو قام ذلك بالرب سبحانه ، فالخلق إما قديم ، وإما حادث ، فإن كان قديما ، لزم قدم المخلوق ، لأنه نسبة بين الخالق والمخلوق ، ويلزم من كونها قديمة قدم المصحح لها ، وإن كان حادثا ، لزم قيام الحوادث به ، وافتقر ذلك الخلق إلى خلق آخر ، فلزم التسلسل ، فثبت أن الخلق غير قائم به سبحانه ، وقد اشتق له منه اسم.
قال السني : أي لازم من هذه اللوازم التزمه المرء ، كان خيرا من أن ينفي صفة الخالقية عن الرب سبحانه ، فإن حقيقة هذا القول أنه غير خالق ، فإنّ إثبات خالق بلا خلق إثبات اسم لا معنى له وهو كإثبات سميع لا سمع له ،