عبدي ، واصرفوا همّته وإرادته إلى مرضاتي وطاعتي كما قال تعالى : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا (١٢)) [الأنفال].
وقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إن للملك بقلب ابن آدم لمة وللشيطان لمة ، فلمّة الملك ، إيعاد بالخير وتصديق بالوعد ، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق ثم قرأ (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً (٢٦٨)) [البقرة]» (١).
وإذا أراد خذلان عبد أمسك عنه تأييده وتثبيته ، وخلّى بينه وبين نفسه ، ولم يكن بذلك ضالا له ، لأنه قد أعطاه قدرة وإرادة ، وعرّفه الخير والشر ، وحذّره طريق الهلاك وعرّفه بها ، وحضّه على سلوك طريق النجاة ، وعرّفه بها ، ثم تركه وما اختار لنفسه ، وولاه ما تولى ، فإذا وجد شرا فلا يلومنّ إلا نفسه.
قال القدريّ : فتلك الإرادة المعينة المستلزمة للفعل المعين ، إن كانت بإحداث العبد فهو قولنا ، وإن كانت بإحداث الرب سبحانه ، فهو قول الجبري ، وإن كانت بغير محدث لزم المحال.
قال السني : لا تفتقر كلّ إرادة من العبد إلى مشيئة خاصة من الله ، توجب حدوثها ، بل يكفي في ذلك المشيئة العامة لجعله مريدا ، فإنّ الإرادة هي حركة النفس ، والله سبحانه شاء أن تكون متحركة ، وأما أن تكون كل حركة تستدعي مشيئة مفردة ، فلا ، وهذا كما أنه سبحانه شاء أن يكون الحي متنفسا ولا يفتقر كل نفس من أنفاسه إلى مشيئة خاصة ، وكذلك شاء أن يكون هذا الماء بجملته جاريا ، ولا تفتقر كل قطرة منه إلى مشيئة خاصة ، يجري بها
__________________
(١) ضعيف. رواه الترمذي (٢٩٨٨) عن عبد الله بن مسعود ، وفيه عطاء بن السائب :
ضعيف.