الماء ، وكذلك مشيئته لحركات الأفلاك وهبوب الرياح ونزول الغيث ، وكذلك خطرات القلوب ووساوس النفس ، وكذلك مشيئته أن يكون العبد متكلما ، لا يستلزم أن يكون كلّ حرف بمشيئته غير مشيئة الحرف الآخر ، وإذا تبين ذلك فهو سبحانه شاء أن يكون عبده شائيا مريدا ، وتلك الإرادة والمشيئة صالحة للضدين ، فإذا شاء أن يهدي عبدا صرف داعيه ومشيئته وإرادته إلى معاشه ومعاده ، وإذا شاء أن يضلّه تركه ونفسه وتخلّى عنه ، والنفس متحركة بطبعها لا بد لها من مراد محبوب هو مألوهها ومعبودها ، فإن لم يكن الله وحده هو معبودها ومرادها ، وإلا كان غيره لها معبودا ومرادا ، ولا بدّ ، فإن حركتها ومحبتها من لوازم ذاتها ، فإن لم تحبّ ربّها وفاطرها وتعبده أحبّت غيره وعبدته ، وإن لم تتعلق إرادتها بما ينفعها في معادها تعلقت بما يضرها فيه ولا بدّ ، فلا تعطيل في طبيعتها ، وهكذا خلقت.
فإن قلت : فأين مشيئة الله لهداها وضلالها.
قلت : إذا شاء إضلالها تركها ودواعيها ، وخلّى بينها وبين ما تختاره ، وإذا شاء هداها جذب دواعيها وإرادتها إليه وصرف عنها موانع القبول ، فيمدها على القدر المشترك بينها وبين سائر النفوس بإمداد وجودي ، ويصرف عنها الموانع التي خلّى بينها وبين غيرها فيها ، وهذا بمشيئته وقدرته ، فلم يخرج شيء من الموجودات عن مشيئته وقدرته وتكوينه البتة ، لكن يكون ما يشاء بأسباب وحكم ، ولو أنّ الجبرية أثبتت الأسباب والحكم ، لانحلّت عنها عقد هذه المسألة ، ولو أنّ القدرية سحبت ذيل المشيئة والقدر والخلق على جميع الكائنات ، مع إثبات الحكم والغايات المحمودة في أفعال الرب سبحانه ، لا نحلت عنها عقدها وبالله التوفيق.