أنا بك وإليك ، تباركت وتعاليت» (١) فتبارك وتعالى عن نسبة الشر إليه ، بل كل ما نسب إليه فهو خير والشر إنما صار شرا لانقطاع نسبته وإضافته إليه ، فلو أضيف إليه لم يكن شرا ، كما سيأتي بيانه.
وهو سبحانه خالق الخير والشر ، فالشّرّ في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله ، وخلقه وفعله وقضاؤه وقدره خير كله ، ولهذا تنزه سبحانه عن الظلم الذي حقيقته وضع الشيء في غير موضعه كما تقدم ، فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها. وذلك خير كله. والشر وضع الشيء في غير محله ، فإذا وضع في محله لم يكن شرا ، فعلم أنّ الشر ليس إليه ، وأسماؤه الحسنى تشهد بذلك ، فإن منها : القدوس السلام العزيز الجبار المتكبر.
فالقدّوس : المنزّه من كل شرّ ونقص وعيب ، كما قال أهل التفسير. هو الطاهر من كل عيب المنزه عما لا يليق به ، وهذا قول أهل اللغة. وأصل الكلمة من الطهارة والنزاهة ، ومنه : بيت المقدس ، لأنه مكان يتطهّر فيه من الذنوب ، ومن أمّه لا يريد إلا الصلاة فيه ، رجع من خطيئته كيوم ولدته أمه. ومنه : سميت الجنة حظيرة القدس لطهارتها من آفات الدنيا. ومنه : سمي جبريل روح القدس لأنه طاهر من كل عيب. ومنه : قول الملائكة (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (٣٠)) [البقرة] فقيل : المعنى : ونقدّس أنفسنا لك ، فعدى باللام ، وهذا ليس بشيء ، والصواب أن المعنى : نقدّسك وننزّهك عما لا يليق بك ، هذا قول جمهور أهل التفسير.
وقال ابن جرير : ونقدس لك : ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس ، ومما أضاف إليك أهل الكفر بك. قال : وقال بعضهم : نعظّمك ونمجّدك ، قاله أبو صالح.
__________________
(١) مر بنحوه.