يسميه أحد من العقلاء فعلا وإن كان أثرا من آثارها ومتولدا عنها ، كتأثير النار في الإحراق ، والماء في الإغراق ، والشمس في الحرارة ، فهذه آثار صادرة عن هذه الأجسام ، وليست أفعالا لها ، وإن كانت قوى وطبائع جعلها الله فيها ، فالفعل والعمل من الحي العالم لا يقع إلا بمشيئته وقدرته ، وكون الرب سبحانه حيا فاعلا مختارا مريدا ، مما اتّفقت عليه الرسل والكتب ، ودلّ عليه العقل والفطرة ، وشهدت به الموجودات ناطقها وصامتها ، جمادها وحيوانها ، علويّها وسفليها ، فمن أنكر فعل الرب الواقع بمشيئته واختياره وفعله ، فقد جحد ربّه وفاطره ، وأنكر أن يكون للعالم رب.
الأصل الرابع : أنه سبحانه ربط الأسباب بمسبباتها شرعا وقدرا ، وجعل الأسباب محلّ حكمته في أمره الديني والشرعي ، وأمره الكوني القدري ومحل ملكه وتصرفه ، فإنكار الأسباب والقوى والطبائع جحد للضروريات وقدح في العقول والفطر ، ومكابرة للحسّ ، وجحد للشرع والجزاء ، فقد جعل سبحانه مصالح العباد في معاشهم ومعادهم. والثواب والعقاب والحدود والكفارات والأوامر والنواهي والحل والحرمة ، كل ذلك مرتبطا بالأسباب قائما بها ، بل العبد نفسه وصفاته وأفعاله سبب لما يصدر عنه ، بل الموجودات كلها أسباب ومسببات ، والشرع كله أسباب ومسببات ، والمقادير أسباب ومسببات ، والقدر جار عليها متصرف فيها ، فالأسباب محل الشرع والقدر ، والقرآن مملوء من إثبات الأسباب ، كقوله : (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)) [المائدة]. (بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩)) [الأعراف]. (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ (١٠)) [الحج]. (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (٣٠)) [الشورى]. (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤)) [الحاقة]. (جَزاءً وِفاقاً (٢٦)) [النبأ]. (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ (١٦١)) [النساء] (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ (١٥٥)) [النساء] إلى قوله : (وَبِكُفْرِهِمْ