وكل موضع تضمن الشرط والجزاء ، أفاد سببية الشرط والجزاء وهو أكثر من أن يستوعب كقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً (٢٩)) [الأنفال] وقوله (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧)) [إبراهيم].
وكل موضع رتب فيه الحكم على ما قبله بحرف أفاد التسبب ، وقد تقدم ، وكل موضع تقدم ذكرت فيه الباء تعليلا لما قبلها بما بعدها ، أفاد التسبب ، وكل موضع صرح فيه بأن كذا جزاء لكذا ، أفاد التسبيب ، فإن العلة الغائية علة للعلة الفاعلية.
ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة ، لزاد على عشرة آلاف موضع ، ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة ، ويكفي شهادة الحس والعقل والفطر ، ولهذا قال من قال من أهل العلم : تكلم قوم في إنكار الأسباب ، فأضحكوا ذوي العقول على عقولهم ، وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد ، فشابهوا المعطّلة الذين أنكروا صفات الرب ونعوت كماله وعلوه على خلقه واستواءه على عرشه وتكلمه بكتبه وتكليمه لملائكته وعباده ، وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد ، فما أفادهم إلا تكذيب الله ورسله ، وتنزيهه عن كل كمال ، ووصفه بصفات المعدوم والمستحيل ، ونظير من نزه الله في أفعاله ، وأن يقوم به فعل البتة ، وظن أنه ينصر بذلك حدوث العالم وكونه مخلوقا بعد أن لم يكن ، وقد أنكر أصل الفعل والخلق جملة ، ثم من أعظم الجناية على الشرائع والنبوات والتوحيد إيهام الناس أن التوحيد لا يتم إلا بإنكار الأسباب.