[ما من كتاب أعظم إثباتا للأسباب كالقرآن]
فإذا رأى العقلاء أنه لا يمكن إثبات توحيد الرب سبحانه إلا بإبطال الأسباب ، ساءت ظنونهم بالتوحيد وبمن جاء به ، وأنت لا تجد كتابا من الكتب أعظم إثباتا للأسباب من القرآن ، وبالله العجب! إذا كان الله خالق السبب والمسبب ، وهو الذي جعل هذا سببا لهذا ، والأسباب والمسببات طوع مشيئته ، وقدرته منقادة لحكمه ، إن شاء أن يبطل سببية الشيء أبطلها ، كما أبطل إحراق النار على خليله إبراهيم ، وإغراق الماء على كليمه وقومه ، وإن شاء أقام لتلك الأسباب موانع ، تمنع تأثيرها مع بقاء قواها ، وإن شاء خلّى بينها وبين اقتضائه لآثارها ، فهو سبحانه يفعل هذا وهذا وهذا ، فأيّ قدح يوجب ذلك في التوحيد ، وأي شرك يترتب على ذلك بوجه من الوجوه؟! ولكنّ ضعفاء العقول إذا سمعوا أنّ النار لا تحرق ، والماء لا يغرق ، والخبز لا يشبع ، والسيف لا يقطع ، ولا تأثير لشيء من ذلك البتة ، ولا هو سبب لهذا الأثر ، وليس فيه قوة ، وإنما الخالق المختار يشاء حصول كلّ أثر من هذه الآثار عند ملاقاة كذا لكذا ، قالت : هذا هو التوحيد ، وإفراد الرب بالخلق والتأثير ، ولم يدر قائل هذا أن هذه إساءة ظن بالتوحيد ، وتسليط لأعداء الرسل على ما جاءوا به ، كما تراه عيانا في كتبهم ، ينفّرون به الناس عن الإيمان ، ولا ريب أنّ الصديق الجاهل قد يضرّ ما لا يضره العدو العاقل. قال تعالى عن ذي القرنين : (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤)) [الكهف].
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : علما.
قال قتادة وابن زيد وابن جريج والضحاك : علما تسبب به إلى ما يريد.