وبالجملة فسمى الله سبحانه ذلك كله أسبابا لأنها كانت يتوصّل بها إلى مسبباتها ، وهذا كله عند نفاة الأسباب مجاز ، لا حقيقة له ، وبالله التوفيق.
فصل
الأصل الخامس : أنه سبحانه حكيم ، لا يفعل شيئا عبثا ، ولا لغير معنى ومصلحة وحكمة هي الغاية المقصودة بالفعل ، بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة ، لأجلها فعل ، كما هي ناشئة عن أسباب ، بها فعل ، وقد دل كلامه وكلام رسوله على هذا وهذا في مواضع ، لا تكاد تحصى ، ولا سبيل إلى استيعاب أفرادها ، فنذكر بعض أنواعها.
النوع الأول : التصريح بلفظ الحكمة وما تصرف منه كقوله (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) وقوله : (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) وقوله (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) والحكمة هي العلم النافع والعمل الصالح ، وسمّي حكمة ، لأن العلم والعمل قد تعلّقا بمتعلقهما ، وأوصلا إلى غايتهما ، وكذلك لا يكون الكلام حكمة حتى يكون موصلا إلى الغايات المحمودة والمطالب النافعة ، فيكون مرشدا إلى العلم النافع والعمل الصالح ، فتحصل الغاية المطلوبة ، فإذا كان المتكلم به لم يقصد مصلحة المخاطبين ولا هداهم ولا إيصالهم إلى سعادتهم ودلالتهم على أسبابها وموانعها ، ولا كان ذلك هو الغاية المقصودة المطلوبة ، ولا تكلم لأجلها ، ولا أرسل الرسل وأنزل الكتب لأجلها ، ولا نصب الثواب والعقاب لأجلها ، لم يكن حكيما ، ولا كلامه حكمة فضلا عن أن تكون بالغة.
النوع الثاني : إخباره أنه فعل كذا لكذا ، وأنه أمر بكذا لكذا ، كقوله (ذلِكَ