قيل : عليّ لم يحتج بالقدر على ترك واجب ولا فعل محرم وإنما قال : إن نفسه ونفس فاطمة بيد الله ، فإذا شاء أن يوقظهما ويبعث أنفسهما بعثهما ، وهذا موافق لقول النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة ناموا في الوادي : إن الله قبض أرواحنا حيث شاء وردّها حيث شاء ، وهذا احتجاج صحيح صاحبه يعذر فيه فالنائم غير مفرّط ، واحتجاج غير المفرط بالقدر صحيح ، وقد أرشد النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الاحتجاج بالقدر في الموضع الذي ينفع العبد الاحتجاج به.
فروى مسلم في صحيحه (١) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : «المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلّ خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قل قدّر الله وما شاء فعل ، فإنّ لو تفتح عمل الشيطان».
فتضمن هذا الحديث الشريف أصولا عظيمة من أصول الإيمان :
أحدها : أن الله سبحانه موصوف بالمحبة وأنه يحبّ حقيقة.
الثاني : أنه يحب مقتضى أسمائه وصفاته وما يوافقها ، فهو القويّ ويحب المؤمن القويّ وهو وتر يحب الوتر ، وجميل يحب الجمال ، وعليم يحب العلماء ، ونظيف يحب النظافة ، ومؤمن يحب المؤمنين ، ومحسن يحب المحسنين وصابر يحب الصابرين ، وشاكر يحب الشاكرين.
ومنها : أنّ محبته للمؤمنين تتفاضل فيحب بعضهم أكثر من بعض.
ومنها : أنّ سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده.
__________________
(١) مسلم (٢٦٦٤).