بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام وإمام المرسلين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم ، سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم.
أخي القارئ الكريم! لقد تشعبت الأهواء في الدنيا ، وصار أهلها شيعا ، فئة تسير وراء المشرّق ، وأخرى وراء المغرّب ، وكلّ يغني على ليلاه ، وطالما كان عدو البشرية الأول ـ إبليس ـ حادي الركبان من المشرقين والمغربين ، وكان الرسل يتتابعون بأمر الله لتصويب مسار إخوانهم من أولاد آدم عليهالسلام إلى أن ختمت الرسالات برسالة سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ، لكن بفضل الله الكريم لم تنقطع أمارات الهداية على مرّ السنين بما حفظ الله مما أنزل (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩)) [الحجر] ، وقال حبيبنا محمد صلىاللهعليهوسلم : «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ؛ كتاب الله وسنتي» ، لكنّ المغرضين والمخربين والمشككين ـ بقصور عقولهم ـ المتطلّعين إلى أهداف ، قد تكون سامية ؛ لكن سلك إليها الطرق الوعرة ، وامتطي إليها الذّلول والصعب ، فانحرف أهلها وحرفوا معهم من وقف عليها ، ومنها الدنيئة الساقطة ، وبطبيعة الحال الدرب إلى الساقط ساقط ، فنشأت الفرق والمذاهب والنّحل.
ويأبى الذي تكفّل بالحفظ أن يترك الساحة لمن نذر وجوده لما يسيء إلى الخلق.
لقد انبرى من الأمة أفذاذ ، ذادوا عن حياض الحقيقة وصرفوا أعمارهم في مقارعة الشرّ ، الحجّة بالحجة والبيان بما هو أنصع وأفصح منه. ومن هؤلاء : ابن القيم رحمهالله ، الذي وضع كتاب «شفاء العليل» الذي رأينا أن نخرجه