المريد مريدا ، فإنه إذا علم بمصلحة الفعل ونفعه وغايته انبعثت إرادته إليه ، فإذا لم يعلم في الفعل مصلحة ، ولا كان له فيه غرض صحيح ، ولا داع يدعوه إليه ، فلا يقع منه إلا على سبيل العبث ، هذا الذي لا يعقل العقلاء سواه ، وحينئذ فنفي الحكمة والعلة والغاية عن فعل أحكم الحاكمين نفي لفعله الاختياري في الحقيقة ، وذلك أنقص النقص ، وقد تقدم تقرير ذلك ، وبالله التوفيق.
الباب الثالث والعشرون
قال نفاة الحكمة : هب أن الحجة بطلت ، فلا يلزم من بطلان دليل بطلان الحكم ، فنحن نذكر حجة غيرها ، فنقول : لو كان فعله تعالى معلّلا بعلة ، فتلك العلة إن كانت قديمة ، لزم من قدمها قدم الفعل ، وهو محال ، وإن كانت محدثة ، افتقر كونه موجدا لتلك العلة إلى علة أخرى ، وهو محال ، وهذا معنى قول القائل : علة كل شيء صنعه ، ولا علة لصنعه ، قالوا : ونحن نقرر هذه الحجة تقريرا أبسط من هذا ، فنقول :
لو كان فعله تعالى لحكمة ، فتلك الحكمة إما قديمة ، أو محدثة ، فإن كانت قديمة ، فإما أن يلزم من قدمها قدم الفعل ، أو لا يلزم ، فإن لزم ، فهو محال ، وإن لم يلزم القدم ، والفعل موجود بدونها ، فالحكمة غير حاصلة من ذلك الفعل ، لحصوله دونها ، وما لا يكون الحكمة متوقفة على حصوله ، لا يكون متوقفا عليها ، وهو المطلوب ، وإن كانت الحكمة حادثة بحدوث الفعل ، فإما أن تفتقر إلى فاعل ، أو لا تفتقر إلى فاعل ، فإن لم تفتقر ، لزم حدوث من غير فاعل ، وهو محال ، وإن افتقرت إلى فاعل ، فذلك الفاعل