إما أن يكون هو الله أو غيره ، لا يجوز أن يكون غيره ، لأنه لا خالق إلا الله ، وإن كان هو الله ، فإما أن يكون له في فعله غرض ، أو لا غرض له فيه ، فإن كان الأول ، فالكلام فيه كالكلام في الأول ، ويلزم التسلسل ، وإن كان الثاني ، فقد خلا فعله عن الغرض ، وهو المطلوب.
فإن قلت : فعله لذلك الغرض لغرض ، هو نفسه ، فما خلا عن غرض ، ولم يلزم التسلسل.
قلنا : فيلزم مثله في كل مفعول مخلوق ، وهو أن يكون الغرض منه هو نفسه ، من غير حاجة إلى غرض آخر ، وهو المطلوب ، فهذه حجة باهرة وافية بالغرض.
قال أهل الحكمة : بل هي حجة داحضة باطلة من وجوه ، والجواب عنها من وجوه :
الجواب الأول : أن نقول : لا يخلو إما أن يمكن أن يكون الفعل قديم العين أو قديم النوع ، أو لا يمكن واحد منهما ، فإن أمكن أن يكون قديم العين أو النوع ، أمكن في الحكمة التي يكون الفعل لأجلها أن تكون كذلك ، وإن لم يمكن أن يكون الفعل قديم العين ولا النوع ، فيقال : إذا كان فعله حادث العين أو النوع ، كانت الحكمة كذلك ، فالحكمة يحذى بها حذو الفعل ، فما جاز عليه جاز عليها ، وما امتنع عليه امتنع عليها.
الجواب الثاني : إن من قال : إنه خالق مكون في الأزل لما لم يكن بعد ، قال : قولي هذا كقول من قال : هو مريد في الأزل لما لم يكن بعد ، فقولي بقدم كونه فاعلا ، كقول هؤلاء بقدم كونه مريدا ، وعلى هذا فيمكنني أن أقول بقدم الحكمة التي يخلق ويريد لأجلها ، ولا يلزم من قدم الحكمة قدم الفعل كما لم يلزم من قدم الإرادة قدم المراد ، وكما لم يلزم من قدم صفة التكوين